خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
٨٨
وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ
٨٩
وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
٩٠
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
٩١
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٩٢
وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
٩٣
وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٩٤
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
٩٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٩٦
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ
٩٧
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ
٩٨
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ
٩٩
-هود

النهر الماد

{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ } هذه مراجعة لطيفة واستنزال حسن واستدعاء برفق ولذلك قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك خطيب الأنبياء" . وهذا النوع يسمى استدراج المخاطب عند أرباب علم البيان وهو نوع لطيف غريب المعنى والمغزى يتوصل به إلى بلوغ الغرض.
قال الزمخشري: فإن قلت: أين جواب أرأيتم وما لم يثبت كما ثبت في قصة نوح وصالح؟.
قلت: جوابه محذوف وإنما لم يثبت لأن إثباته في القصتين دل على مكانه. ومعنى الكلام ينادي عليه، والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي وكنت نبياً على الحقيقة أنصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي والأنبياء لا يبعثون إلا كذلك "انتهى".
وتسمية هذا جواباً لا رأيتم ليس بالمصطلح بل هذه الجملة التي قدّرها هي في موضع المفعول الثاني لأرأيتم لأن أرأيتم إذا ضمنت معنى أخبرني تعدت لمفعولين، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية ينعقد منها ومن المفعول الأول في الأصل جملة ابتدائية كقول العرب: أرأيتم زيداً ما صنع.
قال ابن عطية: وجواب الشرط الذي في قوله:
{ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } محذوف تقديره أَضِل كما ضللتم، أو أترك تبليغ الرسالة، ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة. "انتهى". وليس قوله: أضل جواباً للشرط لأنه إن كان مثبتاً فلا يمكن أن يكون جواباً لأنه لا يترتب على الشرط وإن كان استفهاماً حذف منه الهمزة فهو في موضع المفعول الثاني لأرأيتم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها.
قال الزمخشري: ما استطعت يجوز فيه وجوه أحدها: أن يكون بدلاً من الإِصلاح أي المقدار الذي استطعته، أو على حذف مضاف تقديره إلا الإِصلاح إصلاح ما استطعت فهذان وجهان في البدل، والثالث: أن تكون مفعولاً كقوله:

ضعيف النكاية أعداءه

أي ما أريد إلا أن أُصلحَ ما استطعتُ إصلاحه من فاسدكم. "انتهى".
هذا الثالث ضعيف لأن المصدر المعرف بأل لا يجوز أعماله في المفعول به عند الكوفيين، واما البصريون فاعماله عندهم فيه قليل.
ومعنى: { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } يسكبنّكم.
{ شِقَاقِيۤ } أي خلاقي وعدواتي وشقاقي فاعل. يجرمنكم وان يصيبكم مفعول ثان ليجرمنكم ومثل مرفوع به.
{ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } أما في الزمان لقرب عهد هلاكهم من عهدكم إذ هم أقرب الهالكين.
{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ } كانوا لا يلقون إليه أذهانهم رغبة عنه وكراهة له أو قالوا ذلك على وجه الاستهانة به.
{ وَلَوْلاَ رَهْطُكَ } احترموه لرهطه إذ كانوا كفاراً مثلهم وكان في عزة ومنعة منهم.
{ لَرَجَمْنَاكَ } ظاهره القتل وبالحجارة وهي شر القِتْلات.
{ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } أي بذي منعة علينا. والظاهر في قوله: واتخذتموه ان الضمير عائد على الله تعالى أي ونسيتموه وجعلتموه كالشىء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به والظهرى بكسر الظاء منسوب إلى الظهر من تغييرات النسب ونظيره قولهم في النسب إلى أمس أمسى بكسر الهمزة.
{ وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ } تقدم تفسير نظيره. قال الزمخشري: فإِن قلت: قد ذكر عملهم على مكانتهم وعمله على مكانته، ثم اتبعه ذكر عاقبة العاملين منه ومنهم فكان القياس أن يقول: من يأتيه عذاب يخزيه، ومن هو صادق حتى ينصرف من يأتيه عذاب يخزيه إلى الجاحدين ومن هو صادق إلى النبي المبعوث إليهم. قلت: القياس ما ذكرت ولكنهم لما كانوا يعودونه كاذباً قال: ومن هو كاذب يعني في زعمكم ودعواكم تجهيلاً لهم. "انتهى".
وفي ألفاظ هذا الرجل سوء أدب والذي قاله ليس بقياس لأن التهديد الذي وقع ليس بالنسبة إليه ولا هو داخل في التهديد المراد بقوله: سوف تعلمون إذ لم يأت التركيب اعملوا على مكانتكم واعمل على مكانتي ولا سوف تعلمون واعلم وإنما التهديد مختص بهم واستسلف الزمخشري قوله: قد ذكر عملهم على مكانتهم وعمله على مكانته فبني على ذلك سؤالاً فاسداً لأن المترتب على ما ليس مذكوراً لا يصح البتة وجميع الآية والتي قبلها إنما هي بالنسبة إليهم على سبيل التهديد ونظيره في سورة تنزيل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. فهذا جاء بالنسبة للمخاطبين في قوله: قل يا قوم اعملوا على مكانتكم، كما جاء هنا.
{ مَن يَأْتِيهِ } من يجوز أن تكون موصولة مفعولةً بقوله: تعلمون، أي تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب. ويجوز أن تكون استفهامية في موضع رفع على الابتداء. وتعلمون معلق كأنه قيل أيُّنا يأتيه عذاب يخزيه وأينا هو كاذب.
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا } الآية: المعجزات التسع وهي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص من الأموال والأنفس، والثمرات، ومنهم من أبدل النقص بإِظلال الجبل. وقيل: الآيات التوراة، وهذا ليس بسديد لأنه قال: إلى فرعون وملائه، والتوراة إنما أنزلت بعد هلاك فرعون وملائه. والسلطان المبين: هو الحجة الواضحة.
{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } يقال: قدم زيد القوم يقدم قدْماً وقدوماً يقدمهم والمعنى يقدم قومه المغرقين وعدل إلى النار كما كان قدوة في الضلال متبعاً كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه وعدل عن فيورِدَهم إلى فأوردهم لتحقق وقوعه لا محالة، فكأنه قد وقع ولما في ذلك من الإِرهاب والتخويف والهمزة فأوردهم للتعدية ورد يتعدى إلى واحد فلما أدخل الهمزة تعدى إلى اثنين فتضمن وارداً وموروداً. ويطلق الورد على الوارد فالورد لا يكون المورود فاحتيج إلى حذف ليطابق فاعل بئس المخصوص بالذم فالتقدير وبئس مكان الورد المورود. ويعني به النار، فالورد فاعل ببئس والمخصوص بالذم المورود وهي النار. قال ابن عطية: والمورود صفة للورد، أي بئس مكان الورد المورود النار، ويكون المخصوص محذوفاً لفهم المعنى كما حذف في قوله:
{ { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [آل عمران: 12، 197]. "انتهى".
هذا التخريج يبنى على جواز وصف فاعل نعم وبئس وفيه خلاف ذهب ابن السراج والفارسي إلى أن ذلك لا يجوز.
وقال الزمخشري: بئس الرفد المرفود رفدهم أي بئس العون المعان، وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له وقد رفدت باللعنة في الآخرة. وقيل: بئس العطاء المعطي. "انتهى".
ويظهر من كلامه أن المرفود صفة للرفد وأن المخصوص بالذم محذوف تقديره رفدهم وما ذكره من تفسيره، أي بئس العون المعان هو قول أبي عبيدة، وسمي العذاب رفداً على نحو قوله:

تحية بينهم ضرب وجيع

وقال الكلبي: الرفد الرفادة أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار.