خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ
٦٥
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٦٦
وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٦٨
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٩
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
٧٠
قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ
٧١
قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ
٧٢
قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
٧٣
قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ
٧٤
قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٧٥
-يوسف

النهر الماد

{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ } الآية، ما نبغي استفهامية أي شىء نبغي ونطلب من الكرامة هذه أموالنا ردت إلينا وكانوا قالوا لأبيهم قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلاً من آل يعقوب وما أكرمنا كرامته والجملة من قوله: هذه بضاعتنا ردت إلينا، موضحة لقولهم: ما نبغي والجمل بعدها معطوفة عليها على تقدير فنستظهر بها أو نستعين بها.
{ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } في رجوعنا إلى الملك.
{ وَنَحْفَظُ أَخَانَا } فلا يصيبه شىء مما تخافه وكرر حفظ الأخ مبالغة في الحض على إرساله.
{ وَنَزْدَادُ } باستصحاب أخينا وسق بعير على أوساق بعيرنا لأنه إنما كان حمل لهم عشرة أبعرة ولم يحمل الحادي عشر لغيبة صاحبه والإِشارة بذلك الظاهر اما إلى كيل بعير أي يسير بمعنى يجيبنا إليه الملك ولا يضايقنا فيه قال الزمخشري: أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا يعني ما يكال لهم فازدادوا إليه ما يكال لأخيهم ويجوز أن يكون من كلام يعقوب أي حمل بعير واحد شىء يسير لا يخاطر لمثله بالولد كقوله: ذلك ليعلم "انتهى". يعني ظاهر الكلام أنه من كلامهم وهو من كلام يعقوب كما أن قوله: ذلك ليعلم ظاهره أنه من كلام امرأة العزيز وهو من كلام يوسف وهذا كله تحميل للفظ القرآن ما يبعد تحميله وفيه مخالفة الظاهر لغير دليل ولما كان يعقوب غير مختار لإِرسال ابنه وألحوا عليه في ذلك علق إرساله بأخذ الموثق عليهم وهو الحلف بالله إذ به تؤكد العهود وتشدّد.
{ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ } جواب للحلف لأن معنى بحتى تؤتون موثقاً حتى تحلفوا إلى لتأتنني به وقوله:
{ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } لفظ عام لجميع وجوه الغلبة والمعنى تعمكم الغلبة عن جميع الجهات حتى لا تكون لكم حياة ولا وجه مخلص وهذا الاستثناء من المفعول من أجله مراعى في قوله: لتأتنني وان كان مثبتاً بمعنى النفي لأن المعنى لا تمتنعون من الإِتيان به لشىء من الأشياء إلا أن يحاط بكم ومثاله من المثبت في اللفظ ومعناه النفي قولهم: أنشدك الله إلا فعلت أي ما أنشدك إلا الفعل وفي الكلام حذف تقديره فأجابوه إلى ما طلب.
{ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ } يعقوب.
{ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ } من طلب الموثق وإعطائه.
{ وَكِيلٌ } رقيب مطلع ونهيه إياهم أن يدخلوا من باب واحد وهو خشية العين وكانوا أحد عشر كرجل واحد أهل جمال وبسطة قاله ابن عباس: والعين حق وفي الحديث
"أن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر" وفي التعوذ من كل عين لامة ويظهر أن خوفه عليهم من العين في هذه الكرة بحسب أن محبوبه فيهم وهو بنيامين الذي كان يتسلى به عن شقيقه يوسف ولم يكن فيهم في الكرة الأولى فأهمل أمرهم ولم يحتفل بهم لسوء صنيعهم في يوسف.
{ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أي هو الذي يحكم وحده وينفذ ما يريد فعليه وحده توكلت ومن حيث أمرهم أبوهم أي من أبواب متفرقة روي أنهم لما ودعوا أباهم قال لهم: بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له: ان أبانا يصلي عليك ويدعو لك ويشكر صنيعك معنا وفي كتاب أبي منصور الهمداني أنه خاطبه بكتاب قرىء على يوسف صلى الله عليه وسلم فبكى وجواب لما قوله:
{ مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } وفيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا ظرف زمان بمعنى حين إذ لو كان ظرف زمان جاز أن يكون معمولاً لما بعدما النافية لا يجوز حين قام زيد ما قام عمرو ويجوز لما قام زيد ما قام عمرو فدل ذلك على أن لما حرف يترتب جوابه على ما بعده.
{ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ } يعني لقوله: ان الحكم إلا لله وما بعده وعلمه بأن القدر لا يرفعه الحذر وهذا ثناء من الله تعالى على يعقوب عليه السلام.
{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } روي أنهم قالوا له: هذا أخونا قد جئناك به فقال: أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي فأنزلهم وأكرمهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي يوسف حياً لأجلسني معه فقال يوسف عليه السلام بقي أخوكم وحيداً فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكلهم وقال: أنتم عشرة فلينزل كل اثنين منكم بيتاً وهذا إلا ثاني معه فيكون معي وبات يوسف يضمه إليه ويشم رائحته حتى أصبح وسأله عن ولده فقال لي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك فقال: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال: من يجد أخاً مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه وعانقه، وقال: أنا أخوك يوسف.
{ فَلاَ تَبْتَئِسْ } فلا تحزن.
{ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } بنا فيما مضى فإِن الله قد أحسن إلينا وجمعنا على خير فلا تعلمهم بما أعلمتك وعن ابن عباس تعرف إليه أنه أخوه وهو الظاهر قال ابن عطية: ويحتمل أن يشير بقوله: { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }، إلى ما يعمله فتيان يوسف من أمر السقاية ونحو ذلك "انتهى".
ولا يحتمل ذلك لأنه لو كان التركيب بما يعملون بغير كانوا لأمكن على ما بعده لأن الكلام إنما هو مع أخوة يوسف وأما ذكر فتيانه فبعيد جداً لأنه لم يتقدم لهم ذكر إلا في قوله: قال لفتيانه وقد حال بينهما قصص واتسق الكلام مع الأخوة اتساقاً لا ينبغي أن يعدل عن أن الضمير عائد إليهم وإن ذلك إشارة إلى ما كان يلقي منهم قديماً من الأذى إذ قد أمن من ذلك باجتماعه بأخيه يوسف والظاهر أن الذي جعل السقاية في رحل أخيه هو يوسف ويظهر من حيث كونه ملكاً أنه لم يباشر ذلك بنفسه بل أمر غيره من فتيانه أو غيرهم أن يجعلها وقال ابن عمر وابن عباس وجماعة السقاية إناء يشرب به الملك وبه كان يكال الطعام للناس.
{ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } أي نادى منادٍ اذن أعلم وأذن أكثر الاعلام ومنه المؤذن لكثرة ذلك منه وثم تقتضي مهلة بين جعل السقاية والتأذين فروي أنه لما فصلت العير بأوقارها وخرجوا من مصر أدركوا وقيل لهم: ذلك والظاهر أن العير الإِبل وقال مجاهد: كانت دوابهم حميراً ومناداة العير والمراد أصحابها كقوله: يا خيل الله اركبي ولذلك جاء الخطاب.
{ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } فروعي المحذوف ولم يراع العير كما روعي في اركبي وفي قوله:
والعير التي أقبلنا فيها ويجوز أن يطلق العير على القافلة أو الرفقة فلا يكون من مجاز الحذف.
{ قَالُواْ } أي إخوة يوسف.
{ وَأَقْبَلُواْ } جملة حالية أي وقد أقبلوا.
{ عَلَيْهِمْ } أي على طالبي السقاية أو على المؤذن إن كان أريد به جمع كأنه جعل مؤذنين ينادون وساءهم أن يرموا بهذه المثلبة العظيمة وقالوا:
{ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } ليقع التفتيش فتظهر براءتهم واحتمل أن تكون ماذا استفهاماً في موضع نصب بتفقدون واحتمل أن يكون ما وحدها استفهاماً مبتدأ وذا موصولة بمعنى الذي خبر عن ما وتفقدون صلة لذا والعائد محذوف أي تفقدونه.
و{ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ } هو المكيال وهو السقاية سماه أولاً بإِحدى جهتيه وآخراً بالثانية.
{ وَلِمَن جَآءَ بِهِ } أي لمن دل على سارقه وفضحه وهذا جعل.
{ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } من كلام المؤذن أي وأنا بحمل البعير كفيل أودية إلى من جاء به وأراد به وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله.
{ قَالُواْ تَٱللَّهِ } اقسموا بالتاء من حروف القسم لأنها يكون فيها التعجب غالباً كأنهم عجبوا من رميهم بهذا الأمر العظيم وروي أنهم ردوا البضاعة التي وجدوها في الرمال وتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن وكانوا قد اشتهروا بمصر بصلاح وعفة وكانوا يجعلون الأكمة في أفواه ابلهم لئلا تنال زرع الناس فأقسموا على إثبات شىء قد علموه منهم وهو أنكم قد علمتم أن مجيئنا لم يكن لفساد ثم استأنفوا الاخبار عن نفي السرقة عنهم وأن ذلك لم يوجد منهم قط.
قال ابن عطية: والتاء في تالله بدل مما وكما أبدلت في تراث وفي التوراة والتخمة ولا تدخل التاء في القسم إلا في الله من بين أسمائه تعالى وغير ذلك لا تقول تا الرحمن وتا الرحيم "انتهى".
أما قوله والتاء في تالله بدل من واو فهو قول أكثر النحويين وقال السهيلي: انها أصل بنفسها وليست بدلاً من واو وأما قوله: وفي التوراة فعلى مذهب البصريين إذ زعموا أن الأصل ووراه من ورى الزند ومن النحويين من زعم أن التاء زائدة وذلك مذكور في النحو وأما قوله: فلا تدخل إلى آخره فقد حكي عن العرب دخولها على الرب وعلى الرحمن وعلى حياتك قالوا: ترب الكعبة وتالرحمن وتحياتك والظاهر اتحاد الضمائر في قوله:
{ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ } إذ التقدير إذ ذاك قالوا: جزاء الصاع أي سرقته من وجد الصاع في رحله وقولهم: جزاؤه من وجد في رحله كلام من لم يشك أنهم برآء مما رموا به ولاعتقادهم البراءة علقوا الحكم على وجدان الصاع لا على سرقته وجزاؤه مبتدأ ومن مبتدأ فإِن كانت شرطية فوجد في رحله الخبر وجواب الشرط فهو جزاؤه وإن كانت موصولة فوجد في رحله صلتها وفهو جزاؤه في موضع خبرها، قال ابن عطية: والضمير في قالوا جزاؤه للسارق وهذا لا يصح لخلو الجملة الواقعة خبر جزاؤه من رابط وقال الزمخشري: المعنى قالوا: جزاء سرقته ويكون جزاؤه مبتدأ والجملة الشرطية كما هي خبره على إقامة الظاهر فيها مقام المضمر والأصل جزاؤه من وضع في رحله فهو هو فوضع الجزاء موضع هو كما تقول لصاحبك من أخو زيد فتقول أخوه من يقعد إلى جنبه فهو هو يرجع الضمير الأول إلى من والثاني إلى الأخ ثم تقول فهو أخوه مقيماً للمظهر مقام المضمر ووضع الظاهر موضع المضمر للربط إنما هو فصيح في مواضع التفخيم والتهويل وغير فصيح فيما سوى ذلك نحو زيد قام زيد وينزه القرآن عنه وقال الزمخشري أيضاً: جزاؤه خبر مبتدأ محذوف أي المسؤول عنه جزاؤه ثم افتوا بقولهم من وجد في رحله فهو جزاؤه كما تقول من يستفتي في جزاء صيد الحرم جزاء صيد الحرم ثم تقول ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم وهو متكلف إذ تصير الجملة من قوله المسؤول عنه جزاؤه وعلى هذا التقدير ليس فيه كبير فائدة إذ قد علم من قوله فما جزاؤه ان الشىء المسؤول عنه جزاء سرقته فأي فائدة في نطقهم بذلك وكذلك القول في المثال الذي مثل به من قول المستفتي ومعنى فهو جزاؤه أي فاستعباده إذ كانت عادتهم استعباد السارق.
{ كَذٰلِكَ } أي مثل ذلك الجزاء وهو الاسترقاق.
{ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } أي بالسرقة وهو ديننا وسنتنا في أهل السرقة.