خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً
٨١
وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً
٨٢
وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً
٨٣
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً
٨٤
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً
٨٥
وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً
٨٦
إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً
٨٧
قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً
٨٨
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
٨٩
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً
٩٠
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً
٩١
أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً
٩٢
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً
٩٣
وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً
٩٤
قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً
٩٥
قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
٩٦
وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
٩٧
ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
٩٨
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً
٩٩
-الإسراء

النهر الماد

{ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ } الحق القرآن والباطل الشيطان وهذه الآية نزلت بمكة ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستشهد بها يوم فتح مكة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بالمخصرة حسبما ذكر في السير.
و{ زَهُوقاً } صفة مبالغة في اضمحلاله وعدم ثبوته في وقت ما ومن في من القرآن لابتداء الغاية * وقال ابن عطية والزمخشري: من في القرآن لبيان الجنس ووافقهما أبو البقاء وقد ذكرنا أن من التي لبيان الجنس لا تتقدم على المبهم الذي تبينه وإنما تكون متأخرة عنه وشفاؤه كونه مزيلاً للريب كاشفاً عن غطاء القلب لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله المقررة لدينه فصار لعلات القلوب كالشفاء لعلات الأجسام وخساراً للظالمين وهم الذين يضعون الشىء في غير موضعه هو بإِعراضهم عنه وعدم تدبره بخلاف المؤمن فإِنه يزداد بالنظر فيه والتدبر في معانيه إيماناً.
{ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ } الآية لما ذكر تعالى توزيع ما أنزل من القرآن شفاء للمؤمن وخساراً للظالم عرض بما أنعم عليه به من شرائع الإِسلام ومع ذلك أعرض عنه وبعد بجانبه اشمئزازاً له وقرىء نأي من النأي وهو البعد وقرىء: وناء نهض ومعنى يؤساً قنوطاً من أن ينعم الله عليه والظاهر أن المراد بالإِنسان هنا ليس واحداً بعينه بل المراد به الجنس ونسب تعالى الانعام لذاته والمسيس للشر ويؤس صفة مبالغة من يئس.
{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } كل إذا كان غير مضاف فتارة يراعي لفظه فيفرد الضمير العائد عليه كما في قوله تعالى:
{ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء: 33] شاكلته أي على مذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تشعبت منه.
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه
"قال أني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوا عن الروح فقال بعضهم لا تسألوه فسيفتيكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا يا أبا القاسم ما تقول في الروح فسكت ثم ماج فأمسكت بيدي على جبهته فعرفت أنه نزل عليه الوحي فنزل عليه ويسئلونك عن الروح" الآية فعلى هذا يكون الضمير في ويسئلونك لليهود ويكون الخطاب لهم في قوله: وما أوتيتم الآية والروح على قول الجمهور هي الروح التي في الحيوان وهم اسم جنس وهذا هو الظاهر ومعنى من أمر ربي أي فعل ربي كونها بأمره وفي ذلك دلالة على حدوثها والأمر بمعنى الفعل وارد قال تعالى: { وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [هود: 97] أي فعل فرعون والظاهر أنهم سألوه عن ماهيتها وحقيقتها وقيل عن كيفية مداخلتها الجسد الحيواني وابتعاثها فيه وصورة ملابستها له وكلاهما مشكل لا يعلمه إلا الله * وقد رأيت كتاباً يترجم بالنفخ والتسوية لبعض الفقهاء المتصوفة يذكر فيه أن الجواب في قوله: قل الروح من أمر ربي إنما هو للعوام وأما الخواص فهم عنده يعرفون الروح وأجمع علماء الإِسلام على أن الروح مخلوقة وذهب كفرة الفلاسفة وكثير ممن ينتمي إلى الإِسلام إلى أنها قديمة واختلاف الناس في الروح بلغ إلى سبعين قولاً وكذلك اختلفوا هل الروح النفس أم شىء غيرها.
{ وَلَئِن شِئْنَا } اللام مؤذنة بقسم محذوف ولنذهبن جوابه.
{ وَكِيلاً } أي حافظاً.
{ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } استثناء منقطع أي ولكن رحمة من ربك غير مذهوب به وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظاً.
{ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ } الآية لما ذكر تعالى إنعامه على نبيه بالنبوة وبإِنزال وحيه عليه وباهر قدرته ذكر ما منحه تعالى من الدليل على نبوته الباقي بقاء الدهر وهو القرآن الذي عجز العالم عن الإِتيان بمثله وأنه من أكبر النعم عليه والفضل الذي أبقي له ذكراً إلى آخر الدهر وإذا كان فصحاء اللسان الذي قيل وبلغاتهم عجزوا عن الإِتيان بسورة واحدة مثله فلأن تكونوا أنتم أعجز عن أن تأتوا بمثل جميعه ولو تعاون الثقلان عليه لا يأتون بمثله ولما كانت الجن تفعل أفعالاً مستغربة كما حكى الله عنهم في قصة سليمان عليه السلام أدرجوا مع الإِنس في التعجيز ليكون ذلك أبلغ في التعجيّز ولا يأتون جواب القسم المحذوف واللام الموطئة في لئن وهي الداخلة على الشرط كقوله تعالى:
{ لَئِنْ أُخْرِجُواْ } [الحشر: 12] الآية.
{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } تقدم نظيره والظاهر أن المراد بالمثل هو القول الغريب السائر في الآفاق والقرآن مثل من الأمثال التي ضربها الله * قال الزمخشري: ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة التقدير ولقد صرفنا كل مثل "انتهى" يعني فيكون مفعول صرفنا كل مثل وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين والأخفش لا على مذهب جمهور البصريين والظاهر أن مفعول صرفنا محذوف تقديره البينات والعبر ومن لابتداء الغاية وروي
"أن صناديد قريش اجتمعوا وسيروا للنبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء إليهم جرت بينهم محاوروات في ترك دينهم وطلب منهم أن يوحدوا ويعبدوا الله فأرغبوه بالمال والرئاسة فأبى وقال: لست أطلب ذلك فاقترحوا عليه الآيات ألست التي ذكرها الله هنا" ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تحداهم بأن يأتوا بمثل القرآن فتبين عجزهم عن ذلك وإعجازه وانضمت إليه معجزات أخر وبينات واضحة فلزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعللون باقتراح آيات فعل الحائر المبهوت المحجوج فقالوا ما حكاه الله عنهم ومعنى من الأرض أي أرض مكة.
{ يَنْبُوعاً } مشتق من النبع ووزنه يفعول كيعفور.
{ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ } التي أصلها الينبوع ثم اقترحوا بإِيتاء جنة من نخيل وعنب وكان الغالب على بلادهم ذلك.
{ خِلالَهَا } أي وسط الجنة وقولهم: كما زعمت إشارة إلى قوله تعالى:
{ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [سبأ: 9].
{ قَبِيلاً } معاينة والزخرف الزينة ويطلق على الذهب.
{ أَوْ تَرْقَىٰ } أي تصعد في السماء على حذف مضاف إي إلى معارج والظاهر أن السماء هنا هي المظلة وما اكتفوا بالتغيبة بالرقي في السماء حتى غيوا ذلك بأن ينزل عليهم كتاباً يقرؤنه ولما تضمن اقتراحهم ما هو مستحيل في حق الله وهو أن يأتي بالله والملائكة قبيلاً أمره تعالى بالتسبيح والتنزيه عما لا يليق به ومن أن يقترح عليه ما ذكرتم فقال:
{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ } أي ما كنت إلا بشراً رسولاً من الله إليكم لا مقترحاً عليه ما ذكرتم من الآيات.
{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ } الآية الظاهر أن قوله وما منع الناس اخبار من الله تعالى عن السبب الضعيف الذي منعهم من الإِيمان إذ ظهر لهم المعجز وهو استبعاد أن يبعث الله رسولاً إلى الخلق واحداً منهم ولم يكن ملكاً وأن يؤمنوا في موضع نصب وإن قالوا في موضع رفع وإذ ظرف العامل فيه منع والناس كفار قريش القائلون تلك المقالات السابقة والهدى القرآن ومن جاء به وليس المراد مجرد القول بل قولهم الناشىء عن اعتقادهم والهمزة في ابعث للإِنكار ورسولاً ظاهره أنه نعت * وقوله:
{ قُل لَوْ كَانَ } الآية يمشون يتصرفون فيها بالمشي وليس لهم صعود إلى السماء فيسمعون من أهلها ويعلمون ما يجب علمه بل هم مقيمون في الأرض يلزمهم ما يلزم المكلفين من عبادات مخصوصة وأحكام لا يدرك تفصيلها بالعقل.
{ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم } من جنسهم من يعلمهم ذلك ويلقيه إليهم ولما دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الإِيمان وتحدى على صدق نبوته بالمعجز الموافق لدعواه أمره تعالى أن يعلمهم بأنه تعالى هو الشهيد بينه وبينهم على تبليغه وما قام به من أعباء الرسالة وعدم قبولهم وكفرهم وما اقترحوا عليه من الآيات على سبيل العناد وأردف ذلك بما فيه تهديد وهو قوله: انه كان بعباده خبيراً بخفيات أسرارهم بصيراً مطلعاً على ما يظهر من أفعالهم وأقوالهم.
{ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ } إخبار من الله وليس مندرجاً تحت قل لقوله ونحشرهم ومن مفعول يهدي فهو ضمير يعود على معنى من لا على لفظها والمهتدي مطاوع لهدى يقول هداه فاهتدى كما تقول عصمته فاعتصم ومن مفعول بيضلل لهم ضمير يعود على معنى من لا على لفظها والظاهر أن قول عمياً وبكماً وصماً هو حقيقة وذلك عند قيامهم من قبورهم لم يرد الله إليهم أبصارهم وسمعهم ونطقهم فيرون النار ويسمعون زفيرها وينطقون بما حكى الله عنهم كما تقدم الكلام عليه في أوائل البقرة.
و{ خَبَتْ } معناه سكن لهبها.
{ سَعِيراً } إيقاداً ذلك إشارة إلى ذلك العشر والعذاب.
{ وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا } تقدم الكلام عليه في أثناء السورة والرؤية رؤية القلب وهي العلم ومعنى مثلهم من الإِنس وعطف قوله: وجعل لهم على قوله: أولم يروا لأنه استفهام تضمن التقرير والمعنى قد علموا بدليل العقل كيت وكيت.
{ وَجَعَلَ لَهُمْ } أي للعالمين ذلك.
{ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } وهو الموت.
{ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ } وهم الواضعون الشىء غير موضعه على سبيل الاعتداء.
{ إِلاَّ كُفُوراً } أي جحوداً لما أتى به الصادق صلى الله عليه وسلم من توحيد الله وإفراده بالعبادة وبعثهم يوم القيامة إلى الجزاء.