خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
١٨٤
-البقرة

النهر الماد

{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } أي صوموا أياماً يحصرها العد أي هي قلايل وانتصاب أياماً بالصيام، كما قال الزمخشري: وتمثيله إياه بنويت الخروج يوم الجمعة خطأ واضح لأن معمول المصدر من صلته وقد فصل بينهما بأجنبي وهو قوله كما كتب، فكما كتب ليس بمعمول للمصدر وإنما هو معمول لغيره على أي تقدير قدرته من كونه نعتاً لمصدر محذوف أو في موضع الحال، ولو فرعت على أنه صفة للصيام على تقدير أن تعريف الصيام تعريف جنس فيوصف بالنكرة لم يجز أيضاً، لأن المصدر إذا وصف قبل ذكر معموله لم يجز اعماله فإِن قدرت الكاف نعتاً لمصدر من الصيام كما قد قال بعضهم وضعفناه قبل فيكون التقدير صوماً كما كتب جاز أن يعمل في أيام الصيف، لأنه إذ ذاك العامل في صوماً: هو المصدر، فلا يقع الفصل بينهما بما ليس بمعمول للمصدر. وأجازوا أيضاً انتصاب أياماً على الظرف، والعامل فيه: كتب، وأن يكون: مفعولاً على السعة ثانياً، والعامل فيه كتب وإلى هذا ذهب الفراء والجوني وكلا القولين خطأ أما النصب على الظرف بأنه محل للفعل والكتابة ليست واقعة في الأيام لكن متعلقها هو الواقع في الأيام، فلو قال الانسان لولده وكان ولد في يوم الجمعة: سرني ولادتك يوم الجمعة لم يمكن أن يكون يوم الجمعة معمولاً لسرني، لأن السرور يستحيل أن يكون يوم الجمعة إذ ليس بمحل للسرور الذي أسنده إلى نفسه. وأما النصب على المفعول اتساعاً فإِن ذلك مبني على جواز وقوعه ظرفاً لكتب وقد بينا أن ذلك خطأ.
{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } ظاهره مطلق المرض بحيث يصدق عليه الاسم وبه قال ابن سيرين وعطاء والبخاري: ولمعظم الفقهاء تقييدات مضطربة لا يدل عليها كتاب ولا سنة.
{ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } ظاهره فعدة اعتباره مطلق السفر زماناً وقصداً لا يكون إلا بعد الخروج للسفر لا لمؤمل السفر.
{ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } الجمهور على أن في الكلام محذوفاً تقديره فافطر. فعدة: أي فالواجب عدة. والظاهر أن لا حذف وإن فرض المريض والمسافر هو العدة وأنه لو صام لم يجزه فيجب القضاء. وروي ذلك عن قوم من الصحابة وعن طائفة من أهل الظاهر. وقرىء فعدة ـ بالرفع ـ أي فالواجب عدة ـ وبالنصب ـ أي فليصم عدة، والعدة: بمعنى المعدود. ومعلوم أنها عدة الأيام التي فاتته وأخر صفة لأيام وهي جمع أخرى آخر مقابل آخرين لا جمع أخرى مقابلة الآخر المقابل للأول وظاهر الآية يقتضي عدد ما فاته فلو فاته الشهر وكان تاماً أو ناقصاً قضاه كما فاته وأنه لا يتعين التتابع وأنه لو أخر حتى دخل رمضان آخر لا يجب عليه إلا قضاء ما فاته. وقرىء يطيقونه مضارع أطاق ويطوّقونه مضارع أطوق وهو شاذ كأغليت وأطولت ويطوقونه مضارع طوق مبنياً للمفعول ويطوقونه مضارع طوق. وقرىء يطيّقونه مضارع يطيّق على وزن تفعيل من الطوق كقولهم: تدير اجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت فيها الياء. فقيل: يطيق ومعانيها كلها راجعة إلى معنى الاستطاعة والقدرة وعلى قراءة تشديد الواو والياء يكون بمعنى التكليف أي يتكلفونه أو يكلفونه والضمير في يطيقونه عائد على الصوم. فقيل: كان الصوم محيرا فيه للمقيم والحاضر، ثم نسخ بقوله:
{ { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ } [البقرة: 185].
وقرىء { فِدْيَةٌ } منوناً.
{ طَعَامُ } مرفوعاً بدلاً من فدية.
{ مِسْكِينٍ } مفرداً وجمعاً. وقرىء بالاضافة والجمع وتبين بقراءة الأفراد أن الحكم لكل يوم يفطر فيه طعام مسكين. ولا يفهم ذلك من الجمع وثم محذوف تقديره يطيقون الصوم ويفطرون.
{ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } في الطعام للمسكين أو في عدد من يلزمه إطعامه ومن في قراءة من جعله ماضياً تحتمل الموصولية والشرطية وفي قراءة يطّوّع مضارعاً مجزوماً شرطية وانتصب خيراً على إسقاط الحرف أي بخير، أو صفة لمصدر محذوف أي: تطوعاً خيراً فهو عائد على المصدر المفهوم من تطوع أي فالتطوع.
{ وَأَن تَصُومُواْ } أي أيها المطيقون.
{ خَيْرٌ لَّكُمْ } من الفطر والفدية.
{ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم من أهل العلم والتمييز.