خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٦٠
-البقرة

النهر الماد

{ رَبِّ أَرِنِي } استعطاف بين يدي السؤال. وأرني سؤال رغبة.
{ كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } جملة في موضع المفعول الثاني لأرني إذ هي تتعدى الى اثنين بهمزة النقل. ورأى البصرية تعلق. ومن كلامهم أما ترى أي برق ضاء كما تعلق نظر البصرية. ولما قال لنمرود ربي الذي يحيي ويميت سأل ربه أن يريه عياناً كيف إحياء الموتى. والسؤال عن الكيفية يقتضي تحقق وتيقن ما سأل عنه وهو الاحياء.
{ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } استفهام معناه التقرير أي قد آمنت. (قال) ابن عطية: إيماناً مطلقاً دخل فيه فصل إحياء الموتى. فالواو واو الحال دخلت عليها ألف التقرير. "انتهى". وكون الواو هنا للحال غير واضح لأنها إذا كانت للحال فلا بد أن يكون في موضع نصب وإذ ذاك لا بد لها من عامل فلا تكون الهمزة التي للتقرير دخلت على هذه الجملة الحالية إنما دخلت على الجملة التي اشتملت على العامل فيها، وعلى ذي الحال ويصير التقدير أسألت ولم تؤمن أي أسألت في هذه الحال. والذي يظهر أن التقدير إنما هو منسحب على الجملة المنفية وان الواو للعطف كما قال تعالى:
{ { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } [العنكبوت: 67] ونحوه. واعتنى بهمزة الاستفهام فقدمت وقد تقدم لنا الكلام في هذا ولذلك كان الجواب ببلى في قوله: قال بلى. وقد تقرر في علم النحو ان جواب التقرير المثبت وان كان بصورة النفي تجريه العرب مجرى جواب النفي المحض فتجيبه على صورة النفي ولا يلتفت الى معنى الاثبات. وهذا مما قررناه ان في كلام العرب ما يلحظ فيه اللفظ دون المعنى ولذلك علة ذكرت في علم النحو. وعلى ما قاله ابن عطية: من أن الواو للحال لا يتأتى أن يجاب العامل في الحال، بقوله: بلى، لأن ذلك الفعل مثبت مستفهم عنه والجواب إنما يكون في التصديق بنعم وفي غير التصديق بلا، اما أن يجاب ببلى فلا يجوز وهذا على ما تقرر في علم النحو. قال الزمخشري: فإِن قلت: كيف قال له أولم تؤمن وقد علم أنه أثبت الناس إيماناً. قلت: ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين وبلى إيجاب لما بعد النفي معناه بلى آمنت { ولكن ليطمئن قلبي } أي ليزيد سكوناً وطمأنينة بمضامة علم الضرورة إلى علم الاستدلال وتظاهر الأدلة اسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين، ولأن علم الاستدلال يجوز معه التشكيك بخلاف العلم الضروري، فأراد بطمأنينة القلب: العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك. انتهى كلامه.
وليس علم الاستدلال يجوز معه التشكيك كما قال بل منه ما يجوز معه التشكيك أما إذا كان من مقدمات صحيحة فلا يجوز معه التشكيك كعلمنا بحدوث العالم وبوحدانية الموجد فمثل هذا لا يجوز معه التشكيك.
{ قَالَ بَلَىٰ } تقرر في النحو أن التقرير يجاب بما يجاب به النفي المحض وهذا مما يلحظ فيه اللفظ دون المعنى.
{ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } أي ليزيد سكوناً بانضمام علم الضرورة إلى علم الاستدلال.
{ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ } لم يعين من أي جنس هي واضطربوا في التعين. قال ابن عباس: أخذ طاووساً ونسْراً وديكاً وغراباً وأمره بأخذها بيده وفعله ما فعل بها أثبت في المعرفة بكيفية الاحياء إذ فيه اجتماع حاسة الرؤية وحاسّة اللمس. والطير: اسم جمع وفصّله بمن أفصح وان كان قد جاءت الاضافة فيه كقوله:
{ { تِسْعَةُ رَهْطٍ } [النمل: 48]. ويقال: صار يصور وصار يصير بمعنى قطع وأمال.
{ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } قال ابن عباس: قطعّهنّ. وقال غيره: اضممهن. وقال ابن عباس أيضاً: أوثقهن. وقرىء بضم الصاد وكسرها. وقرىء مَضُرُّهُنَّ من صرّ الشيءَ يصره جمعه، فإِن كان بمعنى التقطيع فلا حذف أو بمعنى الامالة فالحذف أي قطعهنّ أجزاء.
{ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ } أي مماليك يشاهد بصرك فيه الأجزاء إذ دعوت الطير واجعل: صير، أو ألق. وقرىء جزأ وجزا أو جزّوا.
{ ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ } وهن موات أجزاء متفرقة.
{ يَأْتِينَكَ سَعْياً } أي وهن يسعين تشاهد ذلك وترتب مجيئهن عن دعائه وكان مجيئهن سعياً لأنه أبلغ من المعهود لهن وهو الطيران إذ الطيران عادتهن والسعي المجيء باجتهاد روي في قصص هذه الآية أن إبراهيم عليه السلام ذكى هذه الطيور وقطعها قطعاً صغاراً وجمع ذلك مع الدم والريش وجعل من ذلك على كل جبل جزءاً ووقف من حيث يرى الأجزاء وأمسك رؤوس الطير في يده، ثم قال: تعالين بإِذن الله فتطايرت تلك الأجزاء والتأم الدم إلى الدم والريش إلى الريش وبقيت بلا رؤوس، ثم كرر النداء فجاءته سعياً حتى وضعت أجسادها في رؤوسها وطارت بإِذن الله. واجمع أهل التفسير ولا عبرة بخلاف أبي مسلم على إن إبراهيم عليه السلام قطع أعضاءها ولحومها وريشها وخلط بعضها ببعض مع دمائها.