خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٢٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٢١
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٢
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٢٥
قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٦
-آل عمران

النهر الماد

{ فَإنْ حَآجُّوكَ } الظاهر عود الضمير على أهل الكتاب ويحتمل العموم. ومعنى { أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } انقدت وأطعت وخضعت لله وعبر بالوجه عن جميع ذاته لأنه أشرف الأعضاء.
{ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } معطوف على الضمير في أسلمت: قاله الزمخشري وابن عطية. وبدأ به ولا يجوز لأنه يلزم منه المشاركة في المفعول الذي هو وجهي وهو ولا يجوز بل المعنى وأسلم من اتبعني وجهه لله فالأحسن أن تكون من في موضع رفع على الإِبتداء، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه التقدير، ومن اتبعني أسلم وجهه لله فيكون إخباراً منه عليه السلام لأنه وإياهم أسلموا وجوههم لله. وأجاز الزمخشري أن تكون الواو واو مع، وهو لا يجوز لأنه يلزم منه المشاركة في المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: أكلت رغيفاً وعمراً أي مع عمر، ودل ذلك على أنه مشارك لك في أكل الرغيف. والمراد بالأميين من ليس من أهل الكتاب من مشركي العرب وغيرهم.
{ أَأَسْلَمْتُمْ } تقرير في ضمنه الأمر أي أسلموا، فقد أتاكم من البينات ما يوجب الإِسلام. { فَإِنْ أَسْلَمُواْ } أي دخلوا في شريعة الإِسلام، { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } أي حصلت لهم الهداية. { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } أي لا يضرونك بتوليهم عن الإِسلام ولا يلزمك إلا تنبيههم للهداية بما تبلغ عن ربك.
{ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } فيه وعيد وتهديد شديد لمن تولى عن الإِسلام، ووعد بالخير لمن أسلم. إذ معناه أن الله مطلع على أحوال عبيده فيجازيهم بما تقتضي حكمته.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ } ذكر أولاً أعظم الأوصاف المذكورة في هذه الآية وهو الكفر بآيات الله، ثم قتل الأنبياء الذين أظهروا آيات الله وهي المعجزات الدالة على صدقهم، ثم قتل من أمر بالقسط وهو العدل، وهذه أوصاف أسلافهم وهم عالمون بها فنعي على أهل الكتاب المعاصرين للرسول عليه السلام فعل أسلافهم قبلك وجعلوا كمن باشر ذلك، وجاء هنا بغير حق بالتنكير، وفي البقرة بالتعريف، لأن الجملة هنا خرجت مخرج لشرط وهو عام لا يتخصص فناسب أن يكون المنفي بصيغة التنكير حتى يكون عاماً، وهناك جاء في سورة البقرة في ناس معهودين. وذلك قوله:
{ { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [البقرة: 61، آل عمران: 112] الآية.
و{ بِغَيْرِ حَقٍّ } حال مؤكدة كالتي في البقرة لأن قتل نبيّ لا يكون بحق.
{ فَبَشِّرْهُم } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وضمير المفعول عائد على أسلافهم وهو في المعنى لهم لأنهم راضون بقول أسلافهم. ودخول الفاء دليل على أنه أريد بالذين العموم.
وقرىء: { حَبِطَتْ } بفتح الباء. "وناصرين" جمع ناصر وهو أولى من الإِفراد لأنه رأس آية وبإِزاء شفعاء المؤمنين وإذا انتفى النفع من جمع فانتفاؤه من واحد أولى. والضمير في أوتوا لليهود، والنصيب: الحظ، ومن: للتبعيض، والكتاب: التوراة.
و{ يُدْعَوْنَ } حال و{ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ } التوراة أو القرآن.
والضمير في { لِيَحْكُمَ } عائد على كتاب الله. وقرىء ليحكم مبْنياً للمفعول ونسب التولي إلى فريق منهم لأن منهم من أسلم كعبد الله بن سلام.
{ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } جملة حالية مؤكدة أو لأن التولي كان بالأبدان والإِعراض بالقلوب فثبت التغاير بينهما.
{ ذٰلِكَ } الإِشارة إلى التولي والإِعراض بسبب هذه الأقوال الباطلة وتسهيلهم على أنفسهم العذاب وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل.
وجاء هنا { مَّعْدُودَاتٍ } بالجمع وهناك معدودة بالصفة التي تصلح للواحدة من المؤنث وهما فصيحان.
{ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي ما كانوا يختلقون من الكذب كقولهم هذا وقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وغير ذلك فكيف يجوز أن يكون في موضع نصب التقدير فكيف يصنعون وفي موضع رفع خبر المبتدأ محذوف التقدير فكيف حالهم وإذا معمول لذلك المحذوف.
{ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } وهو يوم القيامة أي لجزاء يوم.
{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } الآية سبب نزولها ما أخبر عليه السلام من ظهور ملك أمته على قصور العجم وعلى قصور الروم وقصور اليمن من الضربات التي ضربها على الصخرة يوم الخندق فبرقت ثلاث مرات، أي عليه السلام تلك القصور فعيره المنافقون بأنه يحفر الخندق ويضرب بالمعول ويخبر أن مُلك أمته يكون بالمواضع المذكورة، واللهم منادى والميم زائدة ولا يجمع بينهما وبين حرف النداء في مذهب البصريين. (قال) ابن عطية:
أجمعوا على أنها يعني اللهم مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة وانها منادى. "انتهى" ما ذكره من الإِجماع على تشديد الميم فقد نقل الفراء تخفيفها في بعض اللغات قال وأنشدني بعضهم:

كحلفة من أبي رباح يسمعها اللهم الكبار

قال: الراد عليه تخفيف الميم خطأ فاحش خصوصاً عند الفراء ولأن عنده أن الميم هي التي في أمنا إذ لا يحتمل التخفيف أن تكون الميم فيه بقية. امنا. (قال): والرواية الصحيحة يسمعها لاه الكبار. "انتهى". وإن صح هذا البيت الذي أنشده الفراء عن العرب كان فيه شذوذ آخر من حيث استعماله في غير النداء ألا ترى أنه جعله في هذا البيت فاعلاً بالفعل الذي قبله. ومالك الملك: منصوب على أنه منادى ثان ولا يجوز عند سيبويه نصبه على أن يكون صفة لقوله: اللهم. ومعنى مالك الملك أي يتصرف فيه كما يريد ولذلك جاء تبيين التصرف بعد في قوله:
{ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } الآية وجاء فيها مقابلة الإِيتاء بالنزع والإِذلال بالاعزاز ثم ختم بقدرته العامة الناشىء عنها ما ذكر. وقوله:
{ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } اقتصر عليه لأن الآية في معنى المدح وإن كان عز وجل بيده الخير والشر على مذهب أهل السنة، قال الزمخشري: (فإن قلت): كيف قال: بيدك الخير فذكر الخير دون الشر. (قلت): لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة. فقال: بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك ولأن كل أفعال الله من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله. انتهى كلامه. وهذا يدافع آخره أوله لأنه ذكر السؤال ثم اقتصر على ذكر الخير دون الشر وأجاب بالجواب الأول وذلك يدل على أن بيده تعالى الخير والشر وإنما كان الاقتصار على الخير لأن الكلام إنما وقع فيما يسوقه تعالى من الخير للمؤمنين فناسب الاقتصار على ذكر الخير فقط، وأجاب بالجواب الثاني. وذلك يدل على أن جميع أفعاله خير ليس فيها شر وهذا الجواب يناقض الأول لأن الآية في معنى المدح، وإن كان سبحانه بيده الخير والشر على مذهب أهل السنة.