خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
٢٧
وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٨
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ
٢٩
وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ
٣٠
وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٣١
وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٣٢
إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
٣٣
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ
٣٤
وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ
٣٥
فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٣٦
وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ
٣٧
وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
٣٩
وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ
٤١
إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٢
-الشورى

النهر الماد

{ وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ } قال عمرو بن حريث طلب قوم أهل الصفة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق فنزلت أعلم تعالى أن الرزق لو جاء على اقتراح البشر لكان سبب بغيهم وإفسادهم ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة فرب إنسان لا يصلح ويكتفي شره إلا بالفقر وآخر بالغنى.
{ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } أي يقدر لهم ما هو أصلح لهم.
{ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } وهو ما يظهر من آثار الغيب من المنافع والخصب وغير ذلك وقرىء: بما كسبت بغير فاء فما موصولة بمعنى الذي مبتدأة والخبر محذوف تقديره كائن بما كسبت والباء للسببية وما مصدرية تقديره بكسب أيديكم ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي وكسبت صلة والضمير محذوف تقديره كسبته وقرىء: فبما بالفاء فالأحسن أن تكون ما شرطية والفاء جواب الشرط وبعد الفاء محذوف تقديره فهو أي فإِصابتها بما كسبت أيديكم وفي الحديث
"لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر" .
{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ } هي السفن جمع جارية وهي صفة جرت مجرى الأسماء فوليت العوامل والاعلام هي الجبال واحدها علم وقالت الخنساء ترثي أخاها

وان صخر التأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار

{ فَيَظْلَلْنَ } أي يقمن قال الزمخشري: من ظل يظل ويظلل نحو ضل يضل ويضل "انتهى".
ليس كما ذكر لأن يضل بفتح العين من ضللت بكسرها في الماضي ويصل بكسرها من ضللت بفتحها في الماضي وكلاهما مقيس.
{ رَوَاكِدَ } أي ثوابت.
{ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } أي ظهر البحر.
{ لِّكُلِّ صَبَّارٍ } على بلائه.
{ شَكُورٍ } لنعمائه.
{ أَوْ يُوبِقْهُنَّ } يهلكهن أي الجواري وهو عطف على يسكن. قال الزمخشري: فإِن قلت علام عطف يوبقهن. (قلت) على يسكن لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فيركدن أو يعصفها فيغرقن بعصفها "انتهى".
لا يتعين أن يكون التقدير أو يعصفها فيغرقن لأن أهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح بل قد يهلكها الله تعالى بسبب غير الريح كنزول سطحها بكثرة الثقل أو إنكسار لوح يكون سبباً لإِهلاكها أو يعرض لها عدو يهلك أهلها والضمير في كسبوا عائد على ركاب السفن أي بذنوبهم أخبر تعالى أنه يعفو عن كثير أي لا يؤاخذ بجميع ما اكتسب الإِنسان وقرأ نافع وجماعة ويعلم بالرفع عطفاً على ويعفو وقرأ الجمهور بالنصب فقال الكوفيون: هو منصوب بالواو التي تسمى واو الصرف وهو أن تصرف عطفه على ما قبله من المرفوع وقال ابن عطية: في قراءة النصب وهذه الواو ونحوها التي يسميها الكوفيون واو الصرف لأن حقيقة واو الصرف التي يريدونها عطف فعل على إسم بتقدير ان لتكون مع الفعل بتأويل المصدر فيحسن عطفه على الإِسم "انتهى". وليس قوله لأن تعليلاً لقولهم واو الصرف وإنما هو تقرير لمذهب البصريين وأما الكوفيون فإِن واو الصرف ناصبة بنفسها لا بإِضمار ان بعدها وخرج الزمخشري في النصب على أنه معطوف على تعليل محذوف قال تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن ومنه قوله تعالى:
{ { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ } [مريم: 21] وقوله: { { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ } [الجاثية: 22] "انتهى".
ويبعد تقديره لينتقم منهم لأنه ترتب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن لينتقم منهم وأما الآيتان فيمكن أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلتا ذلك ولتجزى كل نفس بما كسبت فعلنا ذلك وهو كثيراً يقدر هذا الفعل محذوفاً قبل لام العلة إذا لم يكن فعل ظاهر متعلق به ومذهب البصريين في قراءة النصب انه بإِضمار ان فينسبك منها والفعل بعدها مصدر معطوف على مصدر موهم وتقديره فاظلالهن أو إيباقهن وعلم الذين يجادلون ونظيره قراءة من قرأ فيغفر لمن يشاء بالنصب ينسبك منه مصدر معطوف على مصدر متوهم تقديره في تلك الآية يكن حساب فمغفرة.
{ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } جملة منفية في موضع نصب علق عنها قوله: ويعلم ومن محيص من زائدة ومحيص مبتدأ خبره في الذي قبله وعن علي رضي الله عنه اجتمع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مال فتصدق به كله في سبيل الله والخير فلامه المسلمون وخطأه الكافرون فنزلت:
{ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ } والظاهر أنه خطاب للناس وقيل: للمشركين وما شرطية مفعول ثان لأوتيتم ومن شىء تبيين لما والمعنى من شىء من رياش الدنيا ومالها والسعة فيها والفاء جواب الشرط أي فهو متاع أي يستمع به في الحياة.
{ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } أي من ثوابه وما أعد لأوليائه.
{ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } مما أوتيتم لأنه لا انقطاع له والعامل في إذا يغفرون وهي جملة من مبتدأ وخبر معطوفة على يجتنبون ويجوز أن يكون هم توكيداً للفاعل في غضبوا فيكون يغفرون جواب إذا وقال أبو البقاء هم مبتدأ ويغفرون الخبر والجملة جواب إذا انتهى وهذا لا يجوز لأن الجملة لو كانت جواب إذا لكانت بالفاء تقول إذا جاء زيد فعمرو منطلق ولا يجوز حذف الفاء إلا ان ورد في شعر والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور على حذف مضاف أي وأمرهم ذو شورى بينهم والذين صلته هم ينتصرون وإذا معمولة لقوله ينتصرون.