خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٧٠
قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٧١
وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٧٢
-الأنعام

النهر الماد

{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } الآية، هذا أمر بتركهم وكان ذلك لقلة اتبّاع الإِسلام حينئذٍ ودينهم ما كانوا عليه من البحائر والسوائب والحوامي والوصائل وعبادة الأصنام والطواف حول البيت عراة يصفقون ويصفرون.
{ وَذَكِّرْ بِهِ } الضمير في به عائد على القرآن.
و{ تُبْسَلَ } قال ابن عباس: تفضح. وقال قتادة: تحبس وترتهن. وأن تبل اتفقوا على أنه في موضع المفعول من أجله وقدروا كراهة أن تبسل ومخافة أن تبسل ولئلا تبسل. ويجوز عندي أن يكون في موضع جر على البدل من الضمير. والضمير مفسر بالبدل وأضمر الابسال لما في الاضمار من التفخيم، كما أضمروا ضمير الأمر والشأن وفسّر بالبدل وهو الإِبسال فالتقدير وذكر بارتهان النفوس وحسبها بما كسبت. وقد روي:

إذا هي لم تستك بعود اراكة تنحل فاستاكت به عود أسحل

بجر عود على أنه بدل من الضمير.
{ لَيْسَ لَهَا } هذه جملة استئناف اخبار.
و{ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي من دون عذاب الله.
{ وَلِيٌّ } فينصرها.
{ وَلاَ شَفِيعٌ } فيدفع عنها بمسألته.
{ وَإِن تَعْدِلْ } أي وإن تفد كل فداء. والعدل: الفدية، لأن الفادي يعدل الفداء بمثله.
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ } الظاهر أنه يعود على الذين اتخذوا دينهم. وقال ابن عطية: أولئك إشارة إلى الحبس المدلول عليه بقوله: أن تبسل، نفس الآية.
{ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } الحميم: الماء الحار. والأظهر أنها جملة استئناف اخبار، ويحتمل أن تكون حالاً. وشراب بمعنى مفعول كطعام بمعنى مطعوم، ولا ينقاس فعال بمعنى مفعول، لا يقال: ضراب ولا قتال بمعنى مضروب ومقتول.
{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية، هذا استفهام بمعنى الإِنكار أي لا يقع شىء من هذا من دون الله النافع الضار المبدع للأشياء القادر.
قوله و: { مَا لاَ يَنفَعُنَا } إذ هي أصنام خشب وحجارة وغير ذلك.
{ وَنُرَدُّ } معطوف على أندعو وهو داخل في استفهام التقرير.
{ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا } أي إلى الشرك أي رد القهقرى إلى وراء وهي المشية الدنية. واستعمل المثل بها فيمن رجع من خير إلى شر. قال الطبري وغيره: الرد على العقب يستعمل فيمن أمل أمراً فخاب أمله.
{ كَٱلَّذِي } الآية، في موضع نصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي رداً مثل رد الذي. والأحسن أن يكون حالاً أي كائنين كالذي. والذي ظاهره أنه مفرد ويجوز أن يراد به معنى الجمع أي كالفريق الذي استهوته الشياطين حمله الزمخشري على أنه من الهوى الذي هو المودة والميل كأنه قيل: كالذي أمالته الشياطين عن الطريق الواضح إلى المهمة القفر وحمله غيره كأبي علي على أنه من الهوى أي ألقته في هوة، ويكون استفعل بمعنى أفعل نحو استزل وأزل.
{ فِي ٱلأَرْضِ } متعلق باستهوته.
{ حَيْرَانَ } حال من ضمير النصب في استهوته وهو لا ينصرف ومؤنثه حيرى.
{ لَهُ أَصْحَابٌ } قال الزمخشري: أي لهذا المستوى أصحاب رفقة.
{ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } أي إلى أن يهدوه إلى الطريق المستوي. قال ابن عباس في معنى الآية: مثل عابد الصنم مثل من دعاه الغول فيتبعه فيصبح وقد ألقته في مَهْمَةٍ ومهلكة فهو حائر في تلك المهامة.
{ ٱئْتِنَا } معمول لقول محذوف تقديره قائلين إئتنا وهو من الإِتيان بمعنى جيء إلينا.
{ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } من قال ان قوله: له أصحاب، يعني به من الشياطين. وأن قوله: إلى الهدى، بزعمهم كانت هذه الجملة رداً عليهم أي ليس ما زعمتم هدى بل هو كفر وإنما الهدى هدى الله وهو الإِيمان. ومن قال ان قوله: له أصحاب مثل للمؤمنين الداعين إلى الهدى الذي هو الإِيمان كانت اخباراً بأن الهدى هدى الله من شاء لا أنه يلزم من دعائهم إلى الهدى وقوع الهداية بل ذلك بيد الله تعالى من هداه اهتدى.
{ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الظاهر أن اللام لام كي، ومفعول أمرنا الثاني محذوف وقدروه وأمرنا بالإِخلاص لكن ننقاد ونستسلم. قال ابن عطية: ومذهب سيبويه أن لنسلم هو موضع المفعول، وأن قولك: أمرت لأقوم وأمرت أن أقوم يجريان سواء. "انتهى". وما ذكره ابن عطية عن سيبويه ليس كما ذكر بل ذلك مذهب الكسائي والفراء زعماً أن لام كي تقع في موضع أنْ في أردت وأمرت. قال تعالى:
{ يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [النساء: 26].
{ وَأَنْ أَقِيمُواْ } أن مصدرية دخلت على الأمر فيسبك منه مصدر ولا يلحظ فيه معنى الأمر ويكون معطوفاً على قوله: لنسلم، أي للاستسلام ولإِقامة الصلاة. والضمير في واتقوه عائد على رب العالمين.
{ وَٱتَّقُوهُ } معطوف على أقيموا فيكون مأموراً بالإِخلاص للإِسلام ولإِقامة الصلاة ولتقوى الله.
{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } جملة خبرية تتضمن التنبيه والتخويف لمن ترك امتثال ما أمر به من الإِسلام والصلاة، واتقاء الله تعالى، وإنما تظهر ثمرات فعل هذه الأعمال وحسرات تركها يوم الحشر والقيامة.