خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٢٨
قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
٢٩
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٣٠
ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٣١
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٣٢
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ
٣٣
-التوبة

النهر الماد

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } الآية، لما أمر عليه السلام علياً أن يقرأ على مشركي مكة أول براءة وينبذ إليهم عهدهم وان الله برىء من المشركين ورسوله. قال اناس: يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدة وانقطاع السبل وفقد الحمولات. فنزلت. والظاهر الحكم عليهم بأنهم نجس أي ذو نجس. قال ابن عباس والحسن وعمر بن عبد العزيز والطبري وغيرهم: الشرك هو الذي نجسهم فاعيانهم نجسة كالخمر والكلاب والخنازير. وقال الحسن: من صافح مشركاً فليتوضأ. وفي التحرير وبالغ الحسن حتى قال: إن الوضوء يجب من مسّ يد المشرك، ولم يأخذ أحد بقول الحسن إلا الهادي من الزيدية. وقال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما: وصف المشرك بالنجاسة لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل. وعلى هذا القول يجب الغسل على من أسلم من المشركين وهو مذهب مالك. وقال ابن عبد الحكم: لا يجب. ولا شك أنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات، فجعلوا نجساً مبالغة في وصفهم بالنجاسة.
{ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } الآية، الظاهر أن النهي مختص بالمشركين وبالمسجد الحرام وهذا مذهب أبي حنيفة وأباح دخول اليهود والنصارى المسجد الحرام وغيره ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد. وقال الشافعي: هي عامة في الكفار خاصة في المسجد الحرام فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد، وقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد.
{ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } العيلة: الفقر. وقرىء: عائلة وهو مصدر كالعاقبة أو نعت لمحذوف أي حالاً عايلة.
{ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } الآية، أتى في جواب الشرط بسوف وهي أكثر مبالغة في التنفيس من السين والإِغناء إنما وقع كثيراً بعد اتساع الإِسلام وفتح البلاد حتى يحكى عن الزبير وطلحة أنهما بلغا من اتساع المال ما يتعجب منه، وعلق الإِغناء بالمشيئة لأنه يقع في حق بعض دون بعض وفي وقت دون وقت.
{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } الآية، نزلت حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو الروم وغزا بعد نزولها تبوك. وقيل: نزلت في قريظة والنضير فصالحهم وكانت أول جزية أصابها المسلمون وأول ذل أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين. نفى الإِيمان بالله عنهم لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به.
{ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } بيان لقوله: الذين. والظاهر اختصاص أخذ الجزية من أهل الكتاب وهم بنو إسرائيل والروم نصاً واجمع الناس على ذلك وأما المجوس فقال ابن المنذر: لا أعلم خلافاً في أن الجزية تؤخذ منهم. "انتهى".
وروي أنه كان بُعث في المجوس نَبي اسمه زَرَادُشُتْ واختلف أصحاب مالك في مجوس العرب، وأما السامرة والصابئة فالجمهور على أنهم من اليهود والنصارى، وتؤخذ منهم الجزية وتؤكل ذبائحهم. وقالت فرقة: لا تؤخذ منهم الجزية ولا تؤكل ذبائحهم. وقيل: تؤخذ منهم الجزية ولا تؤكل ذبائحهم.
والظاهر شمول جميع أهل الكتاب في إعطاء الجزية، ولم يرد نص في مقدار الجزية، وقال الشافعي وغيره: على كل رأس دينار. وقال أبو حنيفة: على الفقير المكتسب اثنا عشر درهماً، وعلى المتوسط في الغنى ضعفها، وعلى المكثر ضعف الضعف ثمانية وأربعون درهماً. ولا تؤخذ عنده من فقير لا كسب له.
{ عَن يَدٍ } قال ابن عباس: أي يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها.
{ وَهُمْ صَاغِرُونَ } جملة حالية أي ذليلون حقيرون، وذكروا كيفيات في أخذها منهم وفي صغارهم لم تتعرض الآية لتعيين شيء منها.
{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } الآية، بيّن الله سبحانه وتعالى لحاق اليهود والنصارى بأهل الشرك وإن اختلفت طرق الشرك فلا فرق بين من يعبد الصنم وبين من يعبد المسيح وغيره. وقائل ذلك قوم من اليهود وكانوا بالمدينة. قال ابن عباس: قالها أربعة من أحبارهم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف. وقيل: قاله فنحاص. والدليل على أن هذا القول كان فيهم ان الآية تليت عليهم فما أنكروا ولا كذبوا مع تهالكهم على التكذيب وسبب هذا القول ان اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام فرفع الله عنهم التوراة ومحاها من قلوبهم فخرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: إلى أين تذهب؟ قال: أطلب العلم. فحفّظه التوراة فأملاها عليهم عن ظهر لسانه لم يخرم حرفاً. فقالوا: ما جمع الله له التوراة في صدره وهو غلام إلا أنه ابنه. وظاهر قول النصارى المسيح ابن الله بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة. وكما قيل عنهم انهم يقولون ان المسيح إله وابن إله. وقيل: ان بعضهم يعتقدها بنوة حنوٍّ ورحمةٍ. وهذا القول لم يظهر إلا بعد النبوة المحمدية وظهور دلائل صدقها وبعد أن خالطوا المسلمين وناظروهم فرجعوا عما كانوا يعتقدونه في عيسى عليه السلام. وقرىء: عزيرٌ منوناً على أنه اسم عربي مصغر. وقرىء: غير منون على أنه أعجمي منع الصرف للعجمة والعلمية وهو مبتدأ وخبره ابن الله. ومعنى بأفواههم أنه قول لا يعضده برهان فما هو إلا لفظ فارغ يفوهون به كالألفاظ المهملة التي هي كالأجراس والنغم لا تدل على معان. وقرىء: يُضاهيُون ويضاهون ومعناه يشابهون، وهو على حذف مضاف تقديره يضاهي قولهم قول الذين كفروا، والذين كفروا هم أسلاف المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } دعاء عليهم عام لأنواع الشر.
{ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح الدليل، على سبيل التعجب.
{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ } الآية، تعدت اتخذ إلى مفعولين، والضمير عائد على اليهود والنصارى. والأحبار: علماء اليهود، واحده حبر. والرهبان: عباد النصارى الذين زهدوا في الدنيا، وانقطعوا عن الخلق في الصوامع. أخبر عن المجموع وعاد إلى ما يناسبه أي اتخذ اليهود أحبارهم والنصارى رهبانهم.
{ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } عطف على رهبانهم.
{ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } الظاهر أن الضمير عائد على من عاد عليه في اتخذوا، أي أمروا في التوراة والإِنجيل وعلى ألسنة أنبيائهم. وفي قوله: عما يشركون، دلالة على إطلاق اسم الشرك على اليهود والنصارى.
{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ } مثلهم ومثل حالهم في طلبهم ان يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبثّ في الآفاق. ونور الله تعالى: هداه الصادر عن القرآن والشرع المنبث، فمن حيث سماه نوراً سمي محاولة إفساده إطفاء. وكنى بالأفواه عن قلة حيلتهم وضعفها أخبر أنهم يحاولون أمراً جسيماً بشىء ضعيف فكان الإِطفاء بنفخ الأفواه.
{ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ } أجرت العرب أبى بمعنى الفعل المنفي كأنه قال: لا يريد الله فلذلك دخلت إلا في الإِيجاب بعدما معناه النفي.
و{ أَن يُتِمَّ } في موضع نصب. ونظيره قول الشاعر:

أبى الله إلا عدله ووفاءه فلا النكر معروف ولا العرف ضائع

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } الآية، الظاهر أن الضمير في ليظهره عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه المحدث عنه. والدين هنا جنس، أي ليعليه على أهل الأديان كلهم فهو على حذف مضاف، فهو صلى الله عليه وسلم غلبت أمته اليهود، وأخرجوهم من بلاد العرب، وغلبوا النصارى على بلاد الشام إلى ناجية الروم والعرب، وغلبوا المجوس على ملكهم، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند وكذلك سائر الأديان.