خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ
٣٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
٣٨
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٩
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٠
-التوبة

النهر الماد

{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } الآية، قرىء النسىء مهموزاً على وزن فعيل. وقرىء: النسىء بتشديد الياء من غير همز. وتقدم الكلام عليها في قوله: { { أَوْ نُنسِهَا } [الآية: 106]، في البقرة زيادة في الكفر جاءت مع كفرهم بالله تعالى لأن الكافر إذا أحدث معصية ازداد كفراً. والضمير في به عائد على النسىء، واللام في ليواطئوا متعلقة بقوله: ويحرمونه، وذلك على طريق الأعمال. ومعنى ليواطئوا، أي ليحفظوا في كل عام أربعة أشهر في العدد فأزالوا الفضيلة التي خصّ الله بها الأشهر الحرم وحفظوا العدة وحدها بمثابة أن يفطر رمضان ويصوم شهراً من السنة بغير مرض أو سفر.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ } الآية، لما أمر تعالى رسوله بغزوة تبوك وكان زمان جدب وحر شديد وقد طابت الثمار عظم ذلك على الناس وأحبوا المقام، نزلت عتاباً على من تخلف عن هذه الغزوة وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام غزا فيها الروم في عشرين ألفاً من راجل وراكب وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون وخص الثلاثة بالعتاب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم، وكان تخلفهم عن غير علة حسبما يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. ولما شرح معايب الكفار رغب في مقاتلتهم. وما لكم استفهام معناه الإِنكار والتقريع. وبنى قيل للمفعول والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أغلاظاً ومخاشنة لهم وصوناً لذكره إذ أخلد إلى الهُوَينا والدعة من أخلد وخالف أمره عليه السلام، ومعنى اثاقلتم إلى الأرض ملتم إلى شهوات الدنيا حين أخرجت الأرض ثمارها وكرهتم مشاق السفر. وقيل: ملتم إلى الإِقامة بأرضكم، ولما ضمن معنى الميل والإِخلاد عدى بإِلى. وفي قوله: أرضيتم، نوع من الإِنكار والتعجب، أي أرضيتم بالنعيم العاجل في الدنيا الزائل بدل النعيم الباقي، ومن تظافرت أقوال المفسرين على أنها بمعنى بدل أي بدل الآخرة كقوله تعالى:
{ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً } [الزخرف: 60]، أي بدلاً منكم. ومنه قول الشاعر:

فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان

أي بدلاً من ماء زمزم. والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء تعلق فيه أوعية الماء حتى يبرد، وأصحابنا لا يثبتون أنّ من تكون للبدل ويتعلق في الآخرة بمحذوف تقديره فما متاع الحياة الدنيا محسوباً في نعيم الآخرة.
{ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ } الآية، هذا وعيد للمتثاقلين عظيم حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين وأنه يهلكهم ويستبدل قوماً آخرين خيراً منهم وأطوع وأنه غني عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلهم فيها شيئاً.
{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } في: الا تنصروه انتفاء النصر بأي طريق كان من نفر أو غيره. وجواب الشرط محذوف تقديره فسينصره الله، ويدل عليه فقد نصره الله أي ينصره في المستقبل كما نصره في الماضي. ومعنى إخراج الذين كفروا إياه فعلهم به ما يؤدي إلى الخروج، والإِشارة إلى خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ونسب الإِخراج إليهم مجازاً كما نسب في قوله:
{ { ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } [محمد: 13]، وقصة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مذكورة في السير. وانتصب ثاني اثنين على الحال أي أحد اثنين وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وروي أنه لما أمر بالخروج قال لجبريل عليه السلام: من يخرج معي؟ قال: أبو بكر. وقال الليث: ما صحب الأنبياء عليهم السلام مثل أبي بكر.
وقال سفيان بن عيينة: خرج أبو بكر رضي الله عنه بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله: ألا تنصروه.
وقال ابن عطية: بل خرج بها كل من شاهد غزوة تبوك، وإنما المعاتبة لمن تخلف فقط. وهذه الآية منوهة بقدر أبي بكر وتقدمه وسابقته في الإِسلام، وفي هذه الآية ترغيبهم في الجهاد ونصر دين الله إذ بين فيها أن الله ينصره كما نصره إذ كان في الغار، وليس معه أحد فيه سوى أبي بكر رضي الله عنه. والغار: نقب في أعلى ثور ـ وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة ـ، مكث صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثاً.
{ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } بدل، وإذ يقول بدل ثان. وقال العلماء: من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإِنكاره كلام الله تعالى وليس ذلك لسائر الصحابة.
"وكان سبب حزن أبي بكر خوفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه رسول الله تسكيناً لقلبه وأخبره بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } يعني بالمعونة والنصر. وقال أبو بكر: يا رسول الله إن قتلتُ فأنا رجل واحد، وإن قتلتَ هلكت الأمة وذهب دين الله. فقال صلى الله عليه وسلم: ما ظنك باثنين الله ثالثهما" . وقال أبو بكر رضي الله عنه: ـ من البسيط ـ.

قال النبي ولم يجزع يوقرني ونحن في سدف من ظلمة الغار
لا تخشى شيئاً فإِن الله ثالثنا وقد تكفل لي منه بإِظهار
وإنما كيد من تخشى بوادره كيد الشياطين قد كادت لكفار
والله مهلكهم طرا بما صنعوا جاعلُ المنتهى منهم إلى النار

{ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } الآية، قال ابن عباس: السكينة الرحمة والوقار. والضمير في عليه عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو المحدّث عنه. وقال ابن عطية: والسكينة عندي إنما هي ما ينزله الله تعالى على أنبيائه من الحياطة لهم والخصائص التي لا تصلح إلا لهم كقوله: { { فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [البقرة: 248]، ويحتمل أن يكون قوله: فأنزل الله سكينته.. إلى آخره، يراد به ما صنعه الله تعالى لنبيه إلى وقت تبوك من الظهور والفتوح لا أن يكون هذا يختص بقضية الغار. وكلمة الذين كفروا هي الشرك وهي مقهورة، وكلمة الله هي التوحيد، وفي فصل بين المبتدأ والخبر، أو مبتدأ، والعليا خبره، والجملة خبر لقوله: وكلمة الله.