خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ
٢
-يونس

تيسير التفسير

{ أَكَانَ } استفهام تعجيب أَو إِنكار للياقة تعجبهم منه تعجب إِنكار فإِنهم تعجبوا منه منكرين له { لِلنَّاسِ } متعلق بكان لأَن التحقيق أَن كان وأَخواتها دوال على الحدث، أَو حال من قوله { عَجَباً } وهو خبر كان واسمها { أَنْ أَوْحَيْنَا } أَى أَكان للناس إِيحاؤُنا عجبا، والعجب استعظام أَمر خفى سببه، أَو حالة تعترى الإِنسان من رؤية شىءٍ على خلاف العادة، أَو حالة تعترى الإِنسان عند الجهل بسبب شىءٍ { إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم، يقولون: العجب أَن الله سبحانه وتعالى لم يجد رسولا لا يرسله إِلا يتيم أَبى طالب لا مال له ولا جاه؛ لجهلهم أَو لعنادهم، فإِن خفة المال أَليق بالاشتغال بأَداءِ الرسالة ولم يثبت عندهم أَن كل نبى له مال واسع، ولا أَن كل نبى له جاه، وإِن وقع لبعضهم مال كإِبراهيم وسليمان وأَيوب، أَو يحتمل أَن يكون المعنى إِلى رجل لا ملك، أَبعث الله بشرا رسولا، لو شاءَ لأَنزل ملائِكة، وهذا أَكثر فى القرآن، ويناسبه قوله منهم فإِنه ليس لو كان من سائِر العرب لرضوا، وأَما عزة نسبه وبلاغته وعفته وأَمانته فلا ينكرونها { أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ } تفسير لأَوحينا إِذ فيه معنى القول دون حروفه فأن تفسيرية أَو مفعول به أَى أَوحينا إِليك إِنذار الناس، فأَن مخففة والذى عندى أَن حرف المصدر لا يدخل على الطلب أَو الإِنشاء اللهم على تقدير القول، أَى أَنه قيل له: أَنذر الناس، ثم رأَيت للجمهور والإِمام أَبى حيان أَنه لا يدخل على الإِنشاء لأَن المصدر لا يدل عليه، واعترض بأَنه يفوت معنى المضى والاستقبال أَيضاً إِنما دخلت على الأَخبار. قلت: اعتراض باطل لأَن المصدر صالح فى المعنى للمضى والاستقبال استعمالا، وأَيضاً يدل على الحدث والزمان لازم للحدث { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } أَى بأَن لهم قدم صدق، وإِنما عمم الإِنذار وخص التبشير بالذين آمنوا لأَنه لا يخلوا مكلف عن شىءٍ ينذر فيه، وليس فى الكفار ما يبشرون به فخص التبشير بهم. ويجوز أَن يراد بالناس الكفار المعهودون فى قوله: أَكان للناس، وعلى الأَول يدخلون بالأولى، وقدم الصدق المنزلة الرفيعة سميت باسم قدم المشىلأَن السبق بها فهو سبق إِليها كما يسمى النعمة يداً لأَنها تكسب بها وتعطى بها، وذلك من باب التسمية بالآلة والسبب، والمراد الأَعمال الصالحة، وأَضافها للصدق تنبيها على تحقيقها وإِخلاصها لله عز وجل، ويجوز أَن يراد الثواب، وقيل: السعادة فى علم الله أَو فى اللوح. وقيل: شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقدم فى هذه الأَقوال بمعنى أَنه يقدم على تلك الأَشياء، وحذف المنذر به للتهويل وشمول كل من يصلح، وذكر المبشر به ترغيباً فى الطاعة وثوابها، وقدم الإِنذار لأَن التخلى قبل التحلى، وفسر قدم بسابقة سبق لهم خير عند الله وهو عملهم المخزون عنده، أَو ثوابهم أَو الأَصل القدم الصادقة، وأُضيف المنعوت للنعت، وجعل المصدر وهو الصدق موضع اسم الفاعل فيؤول لقدم هى الصدق، أَو قدم الأَمر الصادق، ويقال: القدم مجاز مرسل عن السبق لكونه سبباً وآلة، والسبق مجاز عن الفضل والتقدم المعنوى إِلى المنازل الرفيعة، فهو مجاز بمرتبتين وإِن جعلنا السبق عاماً للمعنوى والحسى فالمجاز بمرتبة، وقيل: المراد تقدمهم فى دخول الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: "نحن السابقون الآخرون يوم القيامة" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "الجنة محرمة على الأَنبياء حتى أَدخلها وعلى الأُمم حتى تدخلها أُمتى" ، وقيل: القدم محمد صلى الله عليه وسلم { قَالَ الْكَافِرُونَ } هؤلاءِ المتعجبون عبر عنهم باسم الكفر إِيذانا بأَن تعجبهم صور عن كفرهم أَو مطلق الكافرين { إِنَّ هَذَا } أَى القرآن المشتمل على رسالة محمد أَو ما جاءَ به محمد قرآناً أَو غيره، والأَول أَولى لأَن السياق جاءَ بالكتاب وهو القرآن لا بعموم الوحى، إِلا أَن يتكلف أَنه ذكر إِشارتهم العامة فى غير المحل { لَسِحْرٌ مُبِينٌ } ظاهر. وفى وصفهم القرآن بالسحر إِقرار بأَنهم رأَوا من القرآن أَمراً خارقاً للعادة من البلاغة والإِخبار بالغيوب مع عجزهم عن معارضته، ولو لم يخرق العادة لم يسموه سحراً، والمراد بالسحر ما حصل من معالجة السحر للأَنفس، المعنى المصدرى. وقيل هذا إِشارة إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسحر مبالغة أَو بمعنى ذو سحر أَو ساحر.