خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٢٢
-يونس

تيسير التفسير

{ هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } يصيركم سائِرين فى البر مشاة وركبانا وفى البحر وفى السفن { حَتَّى } ابتدائية تقريعية لا للغاية، ولو تضمن التقريع معنى الغاية كأَنه قيل فإِذا كنتم فى البر واشتد أَمره عليكم، وظننتم أَنكم هلكى دعوتهم الله، فإِذا أَفرج عنكم الله رجعتم إِلى الشرك، ووجه الغاية إِن قيل بها أَن المعنى يسيركم فى البر والبحر إِلى وقت حصول شدة البحر والظن والدعاءِ الرجوع إِلى الكفر، فإِن بعضاً يجر إِذا بحتى أَو يمكنكم من السير حتى يحصل ذلك المذكور فى قوله { إِذَا كُنْتُمْ فِى الْفُلْكِ } الضم والسكون فيه دالان على الجمع بواسطة قرينة كبُدْن وأُسْد ومفرد مثله كقُرب وفُعل بدون أَن يدلا على شىءٍ فيه، والقرينة أَن ضمه وسكونه للجمع قوله { وَجَرَيْنَ } بنون الإِناث كما دل النعت بالمفرد على الإِفراد فى قوله عز وجل فى الفلك المشحون { بِهِمْ } الباءُ للمصاحبة، ويضيف كونها للتعدية أَى وأَجريناهم، لأَن إِطلاق الجرى عليهم مجاز لأَنها الجارية، ومقتضى الظاهر بكم للخطاب فى كنتم، وجاءَ بالغيبة إِعراضاً عن خطابهم لعدم لياقتهم بعز الخطاب إِذ هم رجس لائِقون بالحجاب، وحكى لغيرهم عيوبهم ليتعجب منها أُولو الأَلباب، وأَما قول أَبى حيان إِن مضمون الخطاب فى قوله يسيركم إِلخ، نعمة المؤمن والكافر حتى وصل ذكر السوء وما يتمهد له قبله صرف الخطاب إِلى الكفار، وبقريب من ذلك لكن يوهم أَن الخطاب للمؤمنين والكافرين وليس ذلك مراده فإِنه للكافر خاصة، وإِنما أَراد أَن يذكر لك أَن ما أَنعم عليهم به يكون لهم وللمؤمنين { بِرِيحٍ } الباءُ للآلة وعلى فرض الأُولى للتعيدة فهذا للمصاحبة { طَيِّبَةٍ } لينة الهبوب إِلى جهة المقصد { وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا } الضمير عائِد إِلى الريح، أَى عارضتها ريح مضادة لها فذهبت هى { رِيحٌ عَاصِفٌ } فإِن العاصفة ضدها اللينة، لأَنها ضد اللينة، وهذا أَولى من عوده للفلك لقرب الريح ولتقدم الإِضمار له فى قوله بها، ولأَنه لم يقل جاءَتهن كما قال وجرين، وعاصف للنسب كتامر ولابن لا اسم فاعل، لأَنه لا يقال عصفت الريح، ولذلك ذكر مع أَن الريح مؤنث كذا قيل، ولا أَقول بذلك بل يقال عصفت الريح تعصف بمعنى اشتدت فهى عاصفة وعاصف { وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ } تأَمل المجىءَ منه كقوله تعالى تدمر كل شىءٍ، أَى كل شىءٍ أَتت عليه لا كل شىءٍ مطلقاً، { وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } أَى حبسوا عن النجاة كما يحيط العدو والحريق فيترجح فيه الهلاك أَو هو استعارة تبعية، شبه شدة الموج بإِحاطة العدو مثلا بهم، واشتق منها أُحيط على التبعية، وهذا ضعيف لصحة بقائِهِ على معناه الأَصلى بلا ضعف ولا داع إِلى غيره، وبعد أَن صير إِلى الاستعارة فكلما أَمكنت الاستعارة التمثيلية بلا ضعف صير إِليها، فتقول شبهت الهيئة المنتزعة من شدة هبوب الريح وظهور الموج من كل مكان وحركة السفينة الحركة الشديدة بالهيئة المنتزعة من العدو من إِحاطته بشخص من جميع جهاته بحيث لا يرجى خلاصه { دَعَوْا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } استئناف بيانى كأَنه قيل فما فعلوا فقال دعوا الله إِلخ، أَو بدل اشتمال لأَن بين ظن الإِحاطة والدعاءِ ملابسة بغير الكلية والجزئية واستدعاءُ، ولا يقال الثانى أَولى لعدم الحذف لأَنا نقول الحذف فى الاستئناف البيانى كلا حذف إِذ لاحظ له فى التقدير اللفظى، وإِنما هو اعتبار، والدين الأُلوهية أَى خصوه بالأُلوهية رجوعاً إلى الفطرة التى خلقوا عليها لما زال عنهم عوارضها من شدة الخوف من الغرق. وزعم بعض أَن دعاءَهم أَهيا شراهيا وأَن معناه يا حى يا قيوم، وفيه أَن ذلك لغة عجم من كلام اليهود، ولعله اتصل إِليهم من اليهود وقوله { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ } أَى هذه الريح الداهية، أَو هذه الأَهوال { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } هذا مع ما قبله مفعول لحال محذوفة أَى قائِلين: والله لئِن أَنجيتنا أَو لدعوا لتضمنه معنى القول، والشاكرون الموحدون المطيعون، ركب عكرمة بن أَبى جهل البحر فهاج بهم وتضرعوا إِلى الله وحده فقال: ما لكم؟ فقالوا: هذا لا ينفع فيه إِلا الله، فقال: هذا هو إِله محمد فاتبعوه ولا تخالفوه، إِن الذى ينجى فى البحر هو الذى ينجى فى البر، لئِن خلصنى الله تعالى لآتين محمداً فأُومن به ففعل وصدق.