خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٥٤
أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٥
-يونس

تيسير التفسير

{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِى الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ } وكيف يكون لها ذلك وليس هناك درهم ولا دينار، فقد فنيت الدنيا، ولم يبق لإِنسان غير عمله عليه يبعث وبه يجازى إِن خيراً فخير وإِن شراً فشر. حتى لو وجد الإِنسان ما يمكن أَن يفتدى به فإِنه لن يقبل منه " { يوم لا ينفع مال ولا بنون. إِلا من أَتى الله بقلب سليم } "[الشعراء: 88 - 89] { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } عن فعل الشرك والمعاصى { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } والضميران لكل نفس لا للرؤساءِ خاصة، بأَن أَخفوها عن الضعفاءِ مخافة التعْيير كما قيل، بل وجه الإِخفاء للفشل عن الإِظهار لأَجل إياسهم ولأَجل أَنه فاجأَهم من الأَمر الفظيع ما لم يحتسبوه كأَنهم بكم كمن ذهب به ليقتل، والندامة قلبية لا ظهور لها فذكر أَسروا تأْكيدا أَو باعتبار أَن الندامة قد يعبر عنها اللفظ كالنطق بها والبكاءِ، أَو أَسروا الندامة أَخلصوها لله حين لا تنفع، ويقال أَسر الشىءَ بمعنى أَخلصه كما يحافظ على الشىءِ بستره، والإِخفاءُ من لوازم صفاءِ الشىءِ، أَو أَسر بمعنى أَظهر من الأَضداد كغبر بمعنى مضى، وغبر بمعنى بقى، أَو الهمزة للسلب أَى أَزالوا سرها، أَى خفاءَها كأَقردت البعير أَزلت قراده، ففى موطن فشلوا وفى موطن أُذن لهم بالنطق وأُقدروا عليه { وَقُضِىَ } العطف على أَسروا أَو على رأَوا أَو على ما عطف عليه أَسروا { بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } بين الخلائِق كلهم أَو كل نفس ظالمة كل نفس، أَو بين المظلومين والظالمين أَو بين المؤمنين والكافرين أَو بين الرؤَساءِ والضغفاءِ، والأَول أَولى لعمومه قبل، ودخل فى ذلك العدل العظيم أَنه يعدل من الكافر الظالم للكافر الآخر المظلوم فيسقط بعض العذاب عن الكافر المظلوم ويزاد على ظالمه الكافر وأَما عود الضمير إِلى النفوس الظوالم، فلو ناسب بالذكر والقرب لكن لا يتبادر إِرادته ولو كان صحيحاً أَن يقضى بينهن بأَن يخفف عن هذه على تلك من جهه مظلمة، وعن تلك على هذه من جهة { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } الأَول بين الأَنبياءِ ومكذبيهم، والثانى بين غيرهم من مر آنفاً، فلا تكرار كما لا يخطر بالبال أَنه تكرير وقرر قدرته على العذاب والثواب والقضاءِ بينهم بقوله { أَلاَ إِنَّ لِلهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } انتبهوا فإِن جميع ما سوى الله ممكن لذاته، والممكن مستند للواجب لذاته إِما ابتداءً أَو بواسطة فثبت أَن جميع ما سواه مملوك له تعالى، وما ينسب من الإِهلاك لغير الله ليس على التحقيق والكل لله وليس للنفس الظالمة شىءٌ، والمراد بما فى السماوات والأَرض أَجزاؤُهما وما عليهما، وفى ذلك إِشارة إِلى مقدمة تصلح كبرى من الشكل الأَول، هكذا كل موجود حادث له تعالى ملكاً أَو تصرفاً ومن شأْنه هذا يقدر على كل ممكن، فيقدر على القضاءِ والثواب والعقاب { أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ } بالثواب والعقاب على المعنى المصدرى أَو بمعنى موعوده، ودخل ما كانوا به يستعجلون { حَقُّ } لا خلف فى وعده ولا فى وعيده، لأَن الخلف شأْن من لا يعلم العواقب، أَما من يعلمها سبحانه فإِن شأْنه يستمر ولا يتبدل { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } كلهم الأَشقياء { لاَ يَعْلَمُونَ } فإِنهم لو علموا شيئاً من أَمر الدين يعاندون لقصر قلوبهم على ظاهر من الدنيا، وأَراد أَن بعض الكفار يعلمون ويتوبون ويجوز عود الهاءِ للناس.