خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
١٠
-هود

تيسير التفسير

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ } كصحة وخصب وعز { بَعْدَ ضَراءَ مَسَّتْهُ } كمرض وجدب وذل ومسته نعت ضراءَ، وذلك من الأُمور التى يظهر أَثرها على صاحبه، ولا يخفى ظهور أَثر المرض وما بعده وكعكسها على البدن، قال بعض المفسرين النعماءُ نعم يظهر أَثرها على صاحبها والضراءُ مضرة يظهر أَثرها على صاحبها لأَنها خرجت مخرج الأَحوال الظاهرة كحمراءَ وبيضاءَ وهو بهذا الوزن، إِلا أَنها اسم جمع لا واحد له إِلا بالمعنى كنعمة، لأَنها ليست جمع نعمة والنعمة أَعم من النعماءِ لأَنها لا تختص بما يظهر أَثره، والمضرة والضراءُ أَعم كذلك من الضراءِ، وعبر بالذوق وهو ما يختبر به الطعم والمس وهو أَول الاتصال تنبيها على أَن ما فى الدنيا تمثيل بقليل الدنيا على ما فى الآخرة كالعنوان، وإِن الإِنسان يبطر بأَدنى شىءٍ وخالف بين تحول النعمة إِلى الشدة وعكسه، ولم يوفق بأَن يقول بدل قوله ولئِن أَذقنا إِلخ، ولئِن أَذقنا الإِنسان شدة وضرا بعد ما أَعطيناه رخاءً ورحمة على حد، ولئِن أَذقناه نعماءَ إِلخ للتنبيه على سبق رحمة الله غضبه، ولأَن المقصود بالذات الرحمة والبلاءُ للخروج عن الطريق بسوءِ التدبير فهو بالعرض، ولذلك أَيضاً لم يقل بعد مس ضراءَ بتقديم المس، وأَيضاً لم يقل أَمسسنا كما قال أَذقنا ليدل على أَن المقضى بالذات الخير، وأَما الشر فمقضى بالعرض، وللتنبيه على مراعاة الأَدب مع الله كما ورد بيدك الخير مع أَن الشر بيده أَيضاً، وأَما إِسناد النزع إِليه فليس إِسناد شر صراحة بل تلطفاً { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّى } الأُمور التى تسوؤُنى أَو الأَشياءُ التى تسيئُنى، وقد كان لا يتوقع زوالها لأَنه يؤُوس ولم يشكر نعمة زوالها كما قال { إِنَّهُ لَفَرِحٌ } بأَمر الدنيا فرح بطر واغترار وأَكثر ما ورد الفرح فى القرآن للذم وهو فى قوله تعالى: " { فرحين بما آتاهم } "[آل عمران: 170] لغير الذم لأَنه فى الشهداءِ { فَخُورٌ } على الناس بما آتاه الله ليشكره عليه مشتغل به عن الشكر، وفى لفظ الإِذاقة والمس تنبيه على أَنه يقع فى الكفران بأَدنى مضرة وفى البطر والفخر بأَدنى نعمة، وكل ما أَصاب الشقى أَو السعيد من الشدائِد شىءٌ يسير، وكالعدم بالنسبة للعذاب فى الآخرة ونعمها، ولذلك جاءَ أَن الدنيا سجن المؤْمن وجنة الكافر ولو كان يصيبه الشدائِد.