خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
٣
-هود

تيسير التفسير

{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } أَن مفسرة واستدل به على أَن قوله " { أَن لا تعبدوا } "[هود: 26] نهى والفعل مجزوم وأَن فيه تفسيرية لا مصدرية، ولا يقدر فيه شىءٌ، ولا بأْس بهذا، وإِنما المحذور جعل أَن ناصبة مصدرية بعد لا الناهية الجازمة لأَنه لا خارج للنهى يكون علة لما قبله مثلا، وذلك أَن المصدر ملاحظ قبل التأْويل ولا يتصور اعتبار حصول معناه فى الطلب بخلاف الإِخبار، فإِن معنى المصدر موجود فيه ومراد قبل التأْويل ولو كان لا يدل على مضى أَو استقبال فلا تهم، فقد علمت أَنه لا تدخل أَن المصدرية على الأَمر والنهى، وإِذا جعلنا أَن مصدية قدرنا وأَمركم أَن استغفروا ونحو ذلك { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } الاستغفار من الشرك والتوبة التجرد إِليه بالطاعة أَو الاستغفار التوبة من الشرك وتوبوا والذنوب معناه أَقيموا على ذلك أَو توبوا توصلوا إِلى مطلوبكم وهو الغفران والجنة، أَو الاستغفار مما مضى والتوبة عما يأْتى أَو استغفروا عما مضى وتوبوا الآن عما تفعلون بعد، أَو توبوا إِذا فعلتم بعد، وإِذا تابوا قبل وجب التجديد بعد، وقيل الاستغفار ترك المعصية والتوبة الرجوع إِلى الطاعات، أَو الاستغفار طلب ستر الذنوب والعفو والتوبة الندم عليه والعزم على عدم العود، وثم فى ذلك كله على ظاهرها ويجوز أَن تكون للترتيب الرتبى لأَن الرجوع عن المعصية إِلى الطاعة فضل ومزية على طلب الغفران { يُمَتِّعُكُم مَّتَاعاً حَسَناً } يحييكم فى راحة بالغنى أَو بالقناعة والأَمن من غير الله وانتظار الأَجر العظيم فى الآخرة والميل إِلى الطاعة بخلاف من لم يقنع ففى مشقة اللهف والحرص والجزع فلا ينافى ذلك المؤمن من المكارية وخوف الخاتمة، وكون الدنيا سجن المؤمن ولا كون أَشد الناس بلاءً، الأَمثل فالأَمثل وأَيضاً يثاب على مصائِبه بالغفران ورفع الدرجات وهذا تمتيع حسن، أَو المعنى لا يهلككم بالاستئْصال أَو بالمسخ، والمشرك مع شركه لا يخلو من الخوف من الاستئْصال إِذا سمع به لمن تقدم أَو من مآله أَو عدم المؤاخذة على النعم بأَن يرزقكم الحلال وتؤدوا شكره بخلاف الكافر فإِنه يعاقب على النعم إِذا لم يشكرها، وأَيضاً لا يبالى بالحرام، ومتاعا اسم مصدر أَى تمتيعاً ولا يصح أَن يكون بمعنى ما يمتع به لأَن التمتيع لا يتعدى بنفسه إِلى ما به التمتيع، لا يقال متعته حليباً إِلا على نزع الجار فلا تهم. { إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو ما قضى الله من العمر أَى إِلى آخر العمر أَو فى العمر أَو إِلى أَجل أَو هو الآخر وليس لأَحد إِلى أَجل واحد وهو الوقت الذى قتل فيه مثلا. { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ } حسن فى العمل، فإِن فاعل الخير فاضل على فاعل الشر، وهو مقابل ذى فضل فما له إِلا العقاب، ويجوز أَن يكون ذلك فى تفاوت الأَعمال الصالحة فمن زاد على الآخر فى العمل الصالح بكثرة أَو تجويد فله ما زاد ولمن دونه بقدر ما عمل بنقص { فَضْلَهُ } جزاءَ فضله فى الدنيا والآخرة أَوفى الآخرة والهاء لصاحب الفضل لأَن فى ذلك ترغيباً، ويجوز عودها لله بمعنى أَن ثواب العامل فضل من الله ولا واجب عليه والفضل على هذا نفس الثواب، ويجوز أَن يكون هو العمل بمعنى أَن الأَعمال مخلوقة لله وملك له فيقدر مضاف كالأَول هكذا جزاءَ فضله، وذكر السهيلى أَن فضله مفعول أَول وكل مفعول ثان لأَن الأَول فى باب أَعطى وكسا هو الذى كان فاعلا فى المعنى وهكذا أقول. والمفسرون لا يقولون بذلك كأَنهم يفسرون يؤْتى ويعطى بينيل فيجعل النائِل هو الأَول وأَما بلا تأْويل فالآتى الفضل وأَما العاطى فى أَعطيتك درهما هو المخاطب، بمعنى الأَخذ وقدم الفضل الكبير على عذاب اليوم الكبير لتقدم رحمته تعالى؛ ولأَن العذاب تعلق بالتولى عما يوجب الفضل الكبير من التوحيد وغيره { وَإِنْ تَوَلَّوْا } تعرضوا عن ترك عبادة غير الله والاستغفار والتوبة والأَصل تتولوا بصيغة مضارع الخطاب بدليل الخطاب فى قوله { فإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } ومن العجيب أَن يقال أَنه ماض وأَنه يقدر القول، أَى فقل إِنى فلا التفات وكأَن الالتفات حرام حتى يتحاشى عنه بهذا، ونعت اليوم بالكبر لعظم عذابه كما وصف بأَنه يوم ثقيل ولطوله لا كأَيام الدنيا القصيرة من غروب لغروب أَو طلوع لغروب، ومن العجيب أَنه قيل قد يكون نعتاً منصوباً إِلا أَنه جر للجوار واليوم يوم القيامة أَو يوم فى الدنيا شديد الهول كما ابتلوا بالقحط حتى أَكلوا ما مات وجاف وداد والدم والمخزون فى شعر وحتى أَن أَبصارهم تغيرت لشدة الجوع حتى كان فى الهواء دخان.