خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٤٦
-هود

تيسير التفسير

{ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ } إِن ابنك { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } الناجين أَو من أَهلك الذين أَمرت بحملهم أَو من أَهل دينك أَو أَهلك المؤمنين وأَما الكفار فقد قطع الكفر بينه وبينهم، وابنه ذلك ليس مؤمنا وذلك فضل عظيم حتى أَنه لا يتوارث أَهل ملتين ولو كافرتين، قال أَبو فراس:

كانت مودة سلمان له نسبا ولم يكن بين نوح وابنه رحم

أَى كأَنه لم يكن بينهما رحم، وذلك كما قال { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } الهاء للعمل أَو يقدر مضاف أَى إِن عمله أَو جعله نفس العمل الفاسد لأَنه بالغ فى الفساد كما يقال زيد صوم إِذا بالغ فى الصوم وكما قالت الخنساءُ فى وصف ناقة تتردد فى ولد فقدته أَو ذبح أَو ند فإِنما هى إِقبال وإِدبار، أَو يقدر أَنه ذو عمل غير صالح أَو عمل بمعنى عامل غير صالح، وقيل: المراد أَن ترك ركوبه عمل غير صالح، وقيل إِن نداءَك لتنجية ابنك عمل غير صالح، ونسب هذا لابن عباس ولا يصح عنه لكن يناسبه ما فى مصحف ابن مسعود إِنه عمل غير صالح أَن تسأَلنى { فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أَنه صواب أَو خطأُ، فقف عن السؤَال فيه ونجاة ابنك من ذلك فقف فى شأْنها وسلم لإِهلاكه فإِنه أَهل للإِهلاك، أَو لا تسأَلنى ما لم تعلم أَنه صواب أَو غير صواب، وليس نداؤه استفساراً عن سبب عدم إِنجائِه مع تحقق سبب الإِنجاءِ فيما عنده، كما قال به بعض على بناءِ أَنه كان بعد الغرق بل دعاء بإِنجائه حين حال الموج بينهما بتقريبه إِلى الفلك بالموج أَو بتقريب الفلك إِليه أَو بسبب آخر لكن ذكر الوعد فى الدعاءِ يتبادر يناسب النجاة فى الفلك، وقيل النهى عن سؤَال ما لا حاجة إِليه لأَنه لايهم، أَو لأَنه قامت القرائن على حاله من أَنه لا ينجو وأَنه مات كما هو المتبادر من إِحاطة الموج به، وليس النهى عن السؤَال للاسترشاد وإِما أَن يقال سؤال نوح كان بعد علمه بموت ابنه عتابا لله سبحانه لا استرشاداً فمحرم إِجماعاً، ومن قال به أَخطأَ أَو تأَول { إِنِّى أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } بسؤال ما لم تعلم، وإِنما سمى الله قول نوح رب إِن ابنى من أَهلى إِلخ سؤَالا لتضمن ذكر الوعد بنجاة أَهله، طلب الإِنجاز للوعد فى شأْن ابنه بالإِنجاءِ والسؤَال طلب الاستفهام أَو لتضمن ذكر الوعد السؤَال عن المنافع لإِنجاز الوعد لابنه، فيكون السؤَال استفهاماً وإِنما سمى سؤَاله جهلا وزجره عنه بالوعظ لأَن قوله: إِلا من سبق عليه القول وعدم حضوره السفينة صريح فى هلاكه، لكن حب الولد بالطبع، ومع ظن الإِيمان بما ينافقه وحضور ما يسلم به من كفر جره إِلى ذلك، وقد قيل إِنه ولد زنى من امرأَته الكافرة فى فراشه، وهو فعل باطل. قال ابن عباس ما بغت امرأَة نبى قط، بل هو ابن امرأَته من رجل آخر تزوجته قبله فكان عنده يعلمه. والصحيح أَنه ابنه من صلبه لأَنه سماه ابنه وأَقره الله على تسميته وسماه الله ابنه وقال: " { ونادى نوح ابنه } "[هود: 45] وحمل الكلام على حقيقته واجب الدلائِل. وأَما أَن يلد المؤمن ولو نبياً الكافر فواقع، وبالعكس كقابيل من آدم وإِبراهيم من آزر، يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى.