خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
٧١
-هود

تيسير التفسير

{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ } قال ابن مسعود قائِمة وهو قاعد نخدمهم بنحو الإطعام والشراب، ولعل نساءَهم لا تحجب ولا سيما العجائِز وهى عجوز، وقيل قائِمة وراءَ الحجاب تستمع كلامهم والستر اتفاقى، وقيل لوجوب الستر عليهن. وقال ابن إِسحاق: قائِمة تصلى ولا دليل له. وقال المبرد: قائِمة عن الولادة وهو بعيد، ولم تعلم هى ولا إِبراهيم أَنهم ملائِكة ولو علما ما فعلا لأَنهما يعلمان أَن الملائِكة لا تأْكل ولا تشرب، ولا مانع من أَن يعلما من ذلك مع عدم علمهما من قبل أَنهم ملائِكة وقيام المرأَة بأَمر الضيف جائِز غير مكروه على عادة العرب واسمها سارة بشد الراء تسر من رآها لمزيد جمالها، لفظ عربى. أَو سارت بتخفيفها وجر التاءِ فى السطر لفظ عجمى فى هذا الوجه الأَخير وأَصله على هذا يسارت بمثناة تحتية أُسقطت وزيدت فى اسم ابنها حيى بن زكريا فصار يحيى وهو ابنها بوسائط وهى بنت عم إِبراهيم سارة بنت هاران بن ناحور. والواو للحال وصاحبها واو قالوا { فَضحِكَتْ } فرحا بزوال الخوف الذى أَوجسه إِبراهيم عنه وعنها وقد خافت أَيضاً كخوف إِبراهيم أَو لخوفه وفرحا بإِهلاك أَهل الفساد وهم قوم لوط. أَو لذلك كله، وكانت شديدة الإِنكار عليهم وفرحاً بموافقتها أَمر الله عز وجل، إِذ كانت تقول لإِبراهيم فى ما مضى وقبل دخول الملائِكة: اضمم إِليك ابن أَخيك لوطاً فإِن الهلاك ينزل عليهم فضحكت إِذ قال إِنا أُرسِلنا إِلخ، وقيل: لوط ابن أَخى إِبراهيم وقيل ابن خالته ويقال أَخى سارة قيل مصدقاً لكلامها وبعد تمام قولها لإِبراهيم دخل الملائِكة. وكان قولهم ذلك وفرحا بقول الملائِكة حقيقة لهذا أَن يتخذه الله خليلا لما قال: أَلا تأْكلون؟ قالوا: لا نأْكل طعاما إِلا بالثمن. فقال: ثمنه أَن تذكروا الله أَوله وتحمدوه آخره، فقال جبريل وميكائِيل عليهما السلام: لحق لمثل هذا الرجل أَن يتخذه الله خليلا، وقيل نظر جبريل إلى ميكائِيل فقال: لحق إِلخ، والمعنى لو كنا نأْكل لأَكلنا بالثمن، وقيل ضحكت فرحاً بالولد ويرده أَن الضحك وقع قبل علمها بالولد لعطف التبشير بالفاءِ المرتبة، إِلا أَن يتكلف أَنها بمعنى الواو وهو محتاج إِلى دليل، وكذا قول من قال ضحكت تعجباً من التبشير بالولد مع أَنها عجوز وزوجها شيخ، وقيل فى الآية تقديم وتأْخير، وقيل ضحكت تعجباً من خوفه من ثلاثة وهو فى حشمه وخدمه وأَهله وأَنه وحده يغلب أَربعين وقيل مائَة، وقيل تعجباً من غفلة قوم لوط عن قرب العذاب، وقيل ضحكت من حياة الحنيذ بمس الملك عليه، وقيل تعجباً من أَنهم لا يأْكلون مع أَنها أَحسنت خدمتهم، يا عجباً لأَضيافنا نخدمهم بأَنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأْكلون طعامنا وقيل: ضحكت حاضت كقول الشاعر:

وعهدى بسلمى ضاحكا فى لبابة ولم يعد حقا ثديها أَن تحلما

وفيه أَنه لا يعرف قائِل هذا البيت، ويقال ضحكت السمرة أَى سال علكها ولعله مصنوع وكذا قوله:

وإِنى لآتى العرس عند ظهورها وأَهجرها يوماً إِذا تك ضاحكا

وجمهور اللغويين أَثبتوا ضحكت بمعنى حاضت. وضحكت الأَرنب حاضت. وفيه أَن المعروف حاضت السمرة، ولعل المفسر الأَول ذكر حاضت إِخبارا بأَنها حاضت بعد كبر السن لا تفسيرا لضحكت، بمعنى حاضت فتوهم الناس أَنه تفسير، ومعنى البيت أَن وصلى بسلمى حال ما حدث لها الحيض فى بدءِ بلوغها دخلت فى جملة نساءِ لبابة، أَى خالصة عما يكدر أَبدانهن من نوائِب الدهر، فإِن لباب كل شىءٍ خالصه، وتحلم الثدى بدت حلمته. واعترض تفسير الضحك بالحيض بأَنه لا يلائِمها تعجبا بعد إِذ قالت: أَأَلد وأَنا عجوز إِلخ لأَنه لو حاضت قبل التبشير لم تتعجب من الولادة لأَن الحيض معيار الولادة، وأُجيب بأَن التعجب من التبشير بالولادة مطلقاً لا بقيد الحيض، وأَنه لا يلزم من الحيض الولادة وأَنها تعجبت لكبر سنها وسن زوجها ولمجىءِ الحيض فى غير أَوانه { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } ولدته بعد التبشير بسنة وبعد إِسماعيل بأَربع عشرة سنة وبثلاث عشرة قبل وقوعه فى البطن { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } أَى ويعقوب ثابت بالولادة، أَو مولود بعد إِسحاق وهذا متضمن للتبشير بيعقوب على تقدير القول، أَى قائِلين من ورائِه يعقوب مولودا له أَى لإِسحاق أَو ضمن بشر، قال ذكرنا لها إِسحاق ولد ملوحاً بابنه يعقوب بعده وهى مبشرة بولد من بطنها وبولد من ذلك الولد، تعيش حتى تراه وذلك يناسب أَن لها رغبة وحرصاً فى الولادة.

أَحب شىءٍ إِلى الإِنسان ما منعا

وقدر بعض ويحدث من وراءِ إِسحاق ويعقوب، ويجوز كما هو ظاهر الآية أَن يعقوب ليس من التبشير، لكن أَخبرنا الله أَنه بشرها بإِسحاق وأَخبرنا أَنه يكون منه يعقوب، وقيل وراءَ بمعنى ولد الولد لا على معنى أَن من ولد ولد إِسحاق يعقوب لأَن ولد إِسحاق لا ولد ولده، بل على أَنه وراءَ إِبراهيم من جهة إِسحاق، فهو وراءَ إِسحاق من حيث إِنه وراءَ إِبراهيم، فأُضيف لإِسحاق تقييداً بأَن هذا الوراءَ الذى هو لإِبراهيم معتبر بإِسحاق لا بإِسماعيل، وذلك تكلف يجتنب، وكما بشرت بشر إِبراهيم، كأَنه قيل هذا ولد مبشر به يكون منها فإِنه ينتظر ذلك وزيادة إِذ قال ومن ذريتى إِلا أَنها أَشدُ حرصاً لأَنها لم تلد قط، وهو قد ولد إِسماعيل أَو مع غيره ولو كان أَشد حرصاً منها من حيث قصد الإِمامة لكنه لم يدر فى الوقت أَن هذا الولد إِمام ولو علم بعد ذلك.