خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١٥
-يوسف

تيسير التفسير

{ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ } أَى أَرسله معهم، أَو خلاه لهم فذهبوا به، ولما ذهبوا به { وَأَجْمَعُوا } عزمو { أَنْ يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَةِ الْجُبِّ } جواب لما محذوف تقديره أَلقوه فيها أَى فى غيابه الجب كما دل عليه لفظ الآية، أَو فعلوا به أَمر مهولا، فالحذف للتهويل فإِنه حملوه على ظهورهم، ولما برزوا به أَلقوه فى الأَرض، وجعلوا يؤْذونه ويضربونه حتى كادوا يقتلونه، فصار يصيح ويستغيث، وكلما استغاث بواحد ضربه، ويقال جلد به الأَرض روبيل وقام على صدره ليقتله فقال: مهلا لا تقتلنى. فقال يا ابن راحيل قل لرؤياك تخلصك. فقال يهوذا: أَما عاهدتمونى أَن لا تقتلوه فأَتوا به إِلى البير فدلوه فيها، فتعلق بشفيرها، فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بدم ويحتالوا به على أَبيهم، فقال: يا إِخوتاه ردوا على قميصى لأَتوارى به، فقالوا له: ادع الأَحد عشر كوكباً والشمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك.. روى أَن إِبراهيم لما جرد من ثيابه ليلقى فى النار، أَلبسه جبريل قميصاً من حرير الجنة، فدفعها إِبراهيم إِلى إِسحاق إِلى يعقوب فجعلها فى تميمة ليوسف، فأَلبسه جيريل إِياها، ويقال: جعلها يعقوب فى قبضة من فضة، وجعلها فى عنق يوسف فأَلبسه إِياها جبريل فأَضاءَ له الجب، ولما وصل نصف البئْر مربوطاً فى حبل أَلقوه مع الحبل ليموت، وقيل: قطعوه، وقيل: أَلقوهُ بلا ربط، وعلى الربط حلَّهُ جبريل وأَلبسه بعد وقوعه، ولا ماءَ فى البئْر، وقيل: بها ماءٌ، وآوى إِلى صخرة، فنادوه فأَجابهم يظن رحمتهم، فأَرادوا رضخه بصخرة فمنعهم يهوذا، وروى أَنه كلما استغاث من واحد إِلى الآخر ضربه الآَخر وأَهانه، يا غالب غير مغلوب اجعل لى من أمرى فرجاً ومخرجاً، ويقال: إن الملك أخرج له الصخرة من البئر وقعد عليها، ولما أُلقى فيها عَذُب ماؤُها فكان يغينه عن الطعام والشراب، ويقال: مكث فى الجب ثلاثة أَيام، وكان إِخوته يرعون حوله، ويأْتيه يهوذا بالطعام ن ودخل عليه جبريل يؤنسه، فلما أَمسى نهض ليذهب فقال له يوسف: إِذا خرجت عنى استوحشت، فقال له: إِذا أَرهبت شيئاً؛ فقل يا صريخ المستصرخين ياغوث المستغيثين يا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكانى وتعلم حالى ولا يخفى عليك شىء من أَمرى، ولما قالها يوسف حفته الملائكة وأَنس بهم، ويقال: نزل إِليه جبريل عليه السلام فقال: من ألقاك فى هذا الجب؟ قال: إخوتى، قال: ولم؟ قال: لمودة أَبى لى حسدونى قال: أَتريد الخروج من هنا؟ قال: ذاك إِلى إِله يعقوب، قال: قل: اللهم إِنى أَسأَلك باسمك المخزون المكنون يا بديع السماوات والأَرض يا ذا الجلال والإِكرام أَن تغفر لى وترحمنى وأَن تجعل من أَمرى فرجاً ومخرجاً وأَن ترزقنى من حيث أَحتسب ومن حيث لا أَحتسب فقالها؛ فجعل الله تعالى له من أَمره فرجا ومخرجاً ورزقه ملك مصر من حيث لا يحتسب، ويقال: لما وقع فى البئْر بكى فجاءَه جبريل فآنسه، وروى أَن هوام البئْر قال بعضها لبعض لا تخرجن فإِنه نبى نزل بساحتكن فانحجرن إِلا الأَفاعى فدعا عليهن جبريل بالصمم، ويقال: إِن جبريل عليه السلام علمه هذا الدعاءَ، اللهم يا كاشف كل كربة ويا مجيب كل دعوة ويا جابر كل كسير ويا ميسر كل عسير ويا صاحب كل غريب ويا مؤْنس كل وحيد لا إِله إِلا أَنت سبحانك أَسأْلك أَن تجعل لى فرجاً ومخرجاً وأَن تقذف حبك فى قلبى حتى لا يكون لى هم ولا ذكر غيرك وأَن تحفظنى وترحمنى يا أَرحم الراحمين، { وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ } فى البئْر ابن اثنتى عشرة سنة أَو ابن سبع عشرة أَو ابن ثمانى عشر أَو ابن ست قبل أَوان الوحى وهو أَربعون سنة كما أَوحى إِلى عيسى قبل أَوانه ليطمئن قلبه بأْنه سيخرج { لَتُنَبِّئنَّهُمْ } بعد بزمان { بِأَمْرِهِمْ هَذَا } أَى بما صنعوا { وهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } إِنك يوسف لبعد العهد وتغير البدن والأَحوال، تقول لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وتخبرهم ببعض ما فعلوا، ولا يعلمون أَنك يوسف حين الإِخبار، قال الله سبحانه وتعالى: " { وجاءَ إِخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون } " [يوسف: 58] ويروى أَنه عليه السلام نقر الصواع فقال: إِن هذا الصواع يخبرنى أَنكم أَلقيتم أَخا لكم فى الجب اسمه يوسف ولطختم قميصه بدم وقلتم لأَبيه أَكله الذئب، قال ابن عباس: ما نرى { لتنبئنهم بأَمرهم هذا وهم لا يشعرون } نزلت إِلا فى هذا.