خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٧٥
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
٧٦
-يوسف

تيسير التفسير

{ قَالُوا } أَى إِخوة يوسف { جَزَاؤُهُ } والجملة خبر جزاؤه والرابط كونها نفس المبتدإِ فى المعنى وإعادته بلفظه أَيضاً، أَو من موصولة خبر جزاؤُه، وجملة هو جزاؤه جواب لمحذوف، أَى إِذا وجد فى رحل أَحد فهو جزاؤُه، أَى فالاسترقاق جزاؤُه، أَو جزاءُه بمعنى ما يجازى به والمجموع تأْكيد لما قبل مقرون بالفاءِ كأَحد الأَوجه فى قوله تعالى " { إياى فارهبون } "[البقرة: 40] حكموا شرعهم فى أَن السارق عبد للمسروق منه، وأَعاد الظاهر موضع المضمر، ولم يقل فهو هو للإيضاح،والعرب إِذا فخمت شيئاً أَعادته بعينه { كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّالِمِينَ } وتقدم الكلام فى مثل هذا التشبيه، والمراد بالظلم السرقة لأَنها المذكورة هنا، ولأَن الاسترقاق جزاءُ لها لا لغيرها، { فَبَدَأَ } المؤَذن { بِأَوْعِيَتِهِمْ } أَوعيه إِخوة يوسف من جملة القافلة، وقيل الضمير فى بدأَ ليوسف لقوله: { ثم استخرجها من وعاءِ أخيه } لأَن الأَخ أَخ ليوسف لا للمؤَذن، وليس كذلك فإِِن الهاءَ ليوسف قطعاً لكن لا مانع من رد ضمير بدأَ للمؤَذن مع رد الهاءِ للأَخ، فإن الكلام قيل للمؤَذن تارة، وله مع من معه أُخرى وهو المقصود بالذات، فضمير بدأَ له لا ليوسف، وأَيضاً البدءُ للمؤَذن حقيق وليوسف مجاز، إِذ لا يباشر البدءَ، وكذا الاستخراج، والحقيقة أَولى من المجاز، وعلى القول برده إِلى يوسف يكون التفتيش بردهم إِلى مصر، وعلى كل العطف على محذوف تقديره أَرادوا التفتيش، أَو أُريد التفتيش، أَو ردوا إِلى مصر فبدأَ تفتيش أَوعيتهم، والهاءُ لغير بنيامين من إِخوة يوسف لقوله: { قَبْلَ وِعَاءٍ أَخِيهِ } وهو تأْكيد لما فهم من قوله فبدأَ بَأَوعيتهم وبيان لكون الضمير لإِخوة بنيامين، ولا مانع من إعتبار أَهل الرفقة كلهم فى التفتيش فبدأَ منهم بإِخوة يوسف { ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ } بنيامين زيادة فى الإخفاءِ، ولو بدأَ به لتوهم الاتفاق، وهذا على أَن المؤَذن عالم بالوضع أَو المفتش يوسف، لما أَقر إِخوة يوسف بأَن السارق يسترقه صاحب المال فى شرعهم، قال المؤَذن ومن معه لا بد أَن تفتشوا واحداً بعد واحد، ولا يقبل ما قيل من أَن يوسف لا ينظر فى رجل أَحدهم إِلا استغفر الله - عز وجل - مما قذفهم به لأَنه غير قاذف حتى لم يبق إِلا بنيامين، قال ما أَظن هذا أَخذ شيئاً، وصدق أًنه لم يأْخذ لأَنه ليس آخذاً للصواع بل جعله فى رحله غيره، قال إِخوة يوسف: والله لا نتركك حتى تنظر فى حله فإِنه أَطيب لنفسك وأَنفسنا ففتح فوجد فيه، وهاءُ استخرجها عائِد إِلى الصواع، لأَنه يذكر ويؤَنث، أَو يذكر لكن أَنث هنا لتأْويل السقاية المجعولة فى رحله التى ذكرت فى قولنا جعل السقاية فى رحل أَخيه، ورد بعضهم الضمير إِلى السرقة، وهو ضعيف لأَن إِيقاع الاستخراج عليها مجاز مستغنى عنه، وإن أول بمعنى المسروق مجاز أَيضاً قال له إِخوته: كيف سرقت هذا يا ابن راحيل؟ فرفع رأْسه إلى السماءِ، فقال: والله ما سرقت، فقالوا: فمن جعلها فى رحلك؟ قال: الذى جعل البضاعة فى رحالكم { كَذَلِكَ كِدْنَا } احتلنا { لِيُوسُفَ } كدنا له مثل ذلك الكيد العظيم، أَو شبه ما يفهم من معانى الألفاظ بما هو الواقع المتشخص فى نفس، وهذا وجه غريب يستحضره فى مثل هذا المقام، وكذا يجوز جعل الكاف صلة للتأْكيد، ويجوز عود الإِشارة إلى حكم إِخوة يوسف باسترقاق السارق، ولما أَخرجوا الصواع من رحله نكس إخوته رءُوسهم من الحياءِ، وأَقبلوا عليه يلومونه ويقولون: فضحتنا وسودت وجوهنا يا ابن راحيل، ما زال لنا منكم بلاءٌ حتى أَخذت هذا الصواع، فقال: بل بنو راحيل ما زال عليهم بلاءٌ منكم، ذهبتم بأَخى فأَهلكتموه فى البرية، وضع هذا الصواع، فى رحلى الذى وضع البضاعة فى رحالكم، فاسترق بنيامين، واللام للاستحقاق، أَو بمعنى فى أَى فى شأْن يوسف أَو للتعليل { مَا كَانَ } يوسف { لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } بنيامين { فِى دِينِ } فى حكم { الْمَلِكِ } ملك مصر الريان مثلا بل دينه ضرب السارق وتغريمه ما سرق، أَورده مع الضرب إن كان موجوداً لا استرقاق السارق، وقيل: الضرب ومثلان للمسروق، ويوسف فى ظاهر الأَمر هو من الملوك المتداولة على مصر من أَهلها، فليس يعلم شرع يعقوب فى السرقة وهو فى الحقيقة عالم به، وقد استرقته عمته إذ كان طفلا بدسها متاعاً فى لباسه، ولذلك دس الصواع فيأْخذ من هو فى رحله { إِلاَّ أَن يَشَاءُ اللهُ } أَى إِلا بأَن يشاءُ الله أَلهمه سؤال إِخوته بنفسه وبواسطة المؤَذن، ويشاء جوابهم بسنتهم، ويجوز أَن يكون الاستثناءُ منقطعاً، والمعنى لكن شاءَ الله أَخذه بغير دين الملك، على أَن يوسف لم يعلم ذلك، أَو علمه ويحسب كونه غير ولد يعقوب فى الظاهر لا يحكم بالأخذ { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } رفع درجته كيوسف على إخوته { وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ } لا عالم فى الخلق إلا وفوقه أَعلم منه، الله أَعلم ممن انتهى إليه العلم منهم، أَو فوق كل عالم من الخلق عالم هو الله - عز وجل - وعلمه ذاتى، ومن زعم أَن علمه بصفة زائِدة على الذات حالة فيه أَو مفترقة به فقد شبه الله بخلقه إِذ عدَّد القدماءَ وجعله محتاجاً إِلى ما يعلم به أَو جعله محلا للصفة.