خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ
٨٨
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ
٨٩
-يوسف

تيسير التفسير

{ فَلَمَّا دَخَلُوا عليْهِ } خرجوا من عند أَبيهم للتحسس إِلى مصر ودخلوها ودخلوا على يوسف، ولما دخلوا عليه { قَالُوا يَأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وجِئْنا بِبِضَاعةٍ مُزْجَاةٍ فَأْوفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ } هذه مرة ثالثة فى دخول مصر الأُولى ليكتالوا، والثانية ليرجعوا بنيامين إليها ويزدادوا كيل بعير، وهذه للتحسس، ولكن قدموا ذكر مس الضر وهو الجوع وطلب إِيفاءِ الكيل والتصدق، لأَن المتحسس يستعمل كل ما يظن أَنه يتوصل به إلى مطلوبه فاعترفوا له بالمسكنة أَولا ليقابلها بما يصلحها من الإِيفاء والتصدق، وذلك استجلاب للرأْفة، فإِن رق لهم طلبوا بنيامين وسأَلوه العمل فى يوسف وإلا شرعوا لا محالة فى بنيامين ويوسف أَو سكتوا، والبضاعة ما يشترى به أَو يباع، والمزجاة التى تدفع على صاحبها لقلتها أَو خستها أولهما وهو المتبادر من المقام، والخسيسة قد تكون قليلة وقد تكون كثيرة، والقليلة قد تكون خسيسة وقد تكون جيدة، وذلك عموم وخصوص من وجه، وكانت دراهم مزيفة تؤخذ بوضيعة، أَو صوفا وسمنا وحب السنوبر والحبة الخضراءُ المأْكولة من البطم، ويعصر منها الزيت، أَو الأَقط وسويق المقل، أَو الفستق مع السنوبر وسماه بعض الحبة الخضراءُ، ويقال المقل الدوم، ويقال: صمغ شجرة، والزيف يكون بخلط النحاس مثلا، ويقال: نحاس مطلى بمعقود الزئْبق مع الكبريت، وجعل مس الضر علة لإِيفاءِ الكيل والتصدق، أَو المجىء بالبضاعة الزجاة علة لهما لبنائها على مس الضر، والمراد أَوف الكيل ولا تنظر إِلى رداءَة بضاعة فتنقصه أَو اقبلها كالجيدة، وزد على ما تسوى الجيدة أَو أَوفه برد أَخينا وتصدق علينا زيادة على ذلك كله لا فى مقابلة ثمن، أَو التصدق برد بنيامين، وأَخطأَ من قال: إن إِخوة يوسف أَنبياءُ لأًفعالهم فلا شك أَنه تحل لهم الصدقة لأَنها ولو حرمت على الأَنبياء كلهم لكن لم تحرم على آلهم كما حرمت على آل محمد صلى الله عليه وسلم مثله، وذكر بعض أنها حرمت عليهم وعلى آلهم، ولعلهم طلبوا الصدقة لأَنفسهم، وهم غير أَنبياءَ لا ليعقوب النبى فإما أن لا يعطوه منها وإما أَن يعطوه منها لأَنها لم تطلب له كما قال صلى الله عليه وسلم فى لحم: "إِنه صدقة على بريرة وهدية لى" ، والمشهور أَن الصدقة حرمت على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله لا على الأنبياء قبله، وهو المتبادر من قوله فتصدق علينا، لكن التصدق برده بنيامين، وأيضاَ التصدق على كل أَحد هبة والهبة لكل أَحد، وكأَنهم قالوا: وهب لنا، وأَيضاً تطلق على التفضل مطلقاً كما جاءَ أن القصر صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، بقى أن يقال: الأَنسب إذا كان لنبى أَن لا تسمى صدقة، والصدقة فى العرف ما يبتغى به الثواب، ولذلك رد الحسن على من قال: اللهم تصدق علينا، وقال: قل اللهم أَعطنا وتفضل علينا، ولا يعارض بهذا الحديث؛ لأَن القائل ليس بليغاً يتصرف فى كلامه، ولئَلا يشرع فى الناس، أَو هو فى الحديث للمشاكلة، وقالوا يجزى المتصدقين، ولم يقولوا إن الله يجزيك؛ لأَنهم لا يعرفونه مؤمنا وظنوه كافراً كملوك مصر، ولما قالوا ذلك رق لهم فقال ما فى قوله تعالى:
{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ } من الضرب والشتم والإلقاء فى البئْر والبيع والنسبة إلى السرقة والتفريق له عن أَبيه وأَهله { وأَخِيهِ } بنيامين من إِذلاله حتى لا يكلمهم إٍلا فى عجز وذل ولا يجد ذكر أَخيه يوسف إٍلا فى ذلك، ومن تفريقهم بينه وبين يوسف، وقولهم له لما خرج الصاع من رحله: ما رأَينا منكم يا بنى راحيل خيرا، والاستفهام توبيخ ليتوبوا أَو تقريع كذلك، والمراد هل علمتم قبح ما فعلتم أو عقابه من الله وفى قوله { إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } تليين لهم فإِنه علمهم الاعتذار وسهل لهم لجهلهم، جعل عمدهم كالجهل؛ كالجاهل فى عدم العمل، أَو جاهلون سفهاءَ كأَنهم صبيان، أَو جاهلون عاقبة أَمرى من النبوة والملك، أعقاب فعلكم أو قبحه.