خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ
٧
ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ
٨
-الرعد

تيسير التفسير

{ ويقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا } مقتضى الظاهر ويقولون بالإِضمار، كما أَضمر فى ويستعجلونك، لكن أَظهر ليصفهم بالكبر الشديد بأَن جعلوا الآيات العظام غير آيات وطلبوا ما هو آية كايآت موسى وصالح وعيسى { لَوْلاَ } صيغة تحضيض لا يجوز أَن يقال حضض الله وحضه أَحد، والمراد الطلب الشديد { أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ } كالعصا والناقة وخلق الطير بإِذن الله مما لو أَتى به فلم يؤْمنوا لم يؤْخر إِهلاكهم، ولا يقال: إِنهم قد جعلوا ما آتاهم آيات لكنهم أَرادوا آية عظيمة كما مثلنا لأَنا نقول صرحوا بأَن ما يأَتى به سحر أًو جنون أَو أَساطير الأَولين لا آيات، وسواءٌ جعلنا التنوين للوحدة، أَو للعظمة كأَنهم قالوا: ائْت بآيةٍ عظيمة، وما أَتيت به غير آية أَلبتة فخطأَهم الله - عز وجل - بقوله: { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ } إِنما عليك الإِنذار والاستظهار بما آتاك الله من المعجزات لا الإِتيان بما يقترحون، وكفى أَن الخلق عجزوا عما أَتيت به، مع أَنه ما من معجزة أَتى بها نبى قبلك إٍلا وقد أَتيت بمثلها، وأَعظم كحنين الجذع ونبع الماءِ من الأَصابع وإِغزار الثمد وإِكثار الطعام القليل وانشقاق القمر وإِحياءِ الموتى وسلام الحجر، ولو أَنصفوا لكفاهم القرآن فصاحة وبلاغة لا تطاقان وإِخباراً بالغيوب { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أَمانى أَو نائبة تتحداهم بمثل ما يستعظمونه ويتكلفونه كالسحر فى زمان موسى فإن العصا مناسبة له وليست سحرا، والطب فى زمان عيسى فإِنه يناسبه الإِحياءُ وإِبراءُ الأَكمه والأَبرص والفصاحة والبلاغة فى زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإٍن العرب فيه أَفصح وأَبلغ ما يكون، فجاءَ القرآن منهما بما لا يطيقونه، ونائب الرسول يتحداهم بنفس ما تحداهم به الرسول، أَو الهادى الله، ونكر اللفظ للتعظيم، فإِن الله تعالى هدى كل أَحد أَى بين له فمن قابلٍ ومن معرض، والمراد أَنه قادر على أَن يهدى هداية توفيق، لكن لا يهدى توفيقاً إِلا من سبق له القضاءُ به، وقد علم الله أنهم يطلبون الآيات عنادا وإِعناتا لا استرشاداً أَو استزياد للطمأَنينة، ولو فتح هذا الباب لأَفضى إِلى ما لا نهاية له وهو أَنه كلما أَتى بمعجزة طلبوا أَخرى، أَو جاءَ آخرون فطلبوا أُخرى وذلك يوجب سقوط دعوة الأَنبياءِ، أَو أَتى بما يوجب الإِعجال بالعقاب إِن لم يؤْمنوا به، وأَردف ذلك بما يدل على كمال العلم والقدرة على البعث فقال:
{ اللهُ يَعْلَمُ } متعد لواحد بمعنى لا يجهل ذلك، وفى وصفه بالمعرفة قولان { مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى } من الجن والإِنس وسائِر الدواب والطير { وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ } تنقص الأَرحام من مدة الحمل بأَن تلد قبل تسعة أَشهر { وَمَا تَزْدَادُ } بأَن تلد بعد تسعة أَشهر، وفاعل الزيادة والنقص فى الحقيقة الل، أَو غيض الأَرحام، الحيض يخرج الدم فينقص الغذاءُ فينقص الولد، ودم الحيض غذُاء الجنين فيحيا أَو يفسد وإِذا لم يخرج ازداد الجنين قوة أَو علقت بآخر أَو أَكثر أَيضاً، أَو إِذا حاضت الحامل نقص الغذاء وزادت مدة الحمل فتتم التسعة أَو يزداد عليها، أَو النقص والزيادة ما يزيد على التسعة، وأَقل مدة الحمل الذى يولد حيا ويحيا ستة أَشهر وأَكثره عامان عندنا وعند أَبى حنيفة وأَربعة عند الشافعى وأَحمد ورواية عن مالك وهى المشهورة عنه، وخمسة عنده فى الأُخرى، وإِذا احتمل بعد مدة من تلك المدات على أَقوالها حكم بعدمه فتتزوج، ولو علم أَنه فى بطنها ميتا، هذا ظاهر إِطلاقهما، والذى أَقول به أَنها لا تتزوج ما دام فيه ولو ميتاً لأَنها حامل غير واضعة إِلآ أَن تيقن بحياته، وولد الضحاك لسنتين بأَسنان يضحك فسمى بالضحاك لذلك فى قول، وهرم بن سنان لأَربع وشوهد حياته فى البطن عشرين عاماً وأَقل وأَكثر، وما روى عن عائِشة رضى الله عنها لا يبقى أَكثر من عامين محمول على السماع، أَو الكثير أَو الآية فى نقص أَعضاءِ الولد أَو جسمه، وزدته بالتمام والقوة أَو باتحاد الجنين وتعدده، وقد ولدت امرأَة فى بغداد أَربعين ولداً من مشيمة واحدة وحيوا فيما روى، وشريك من فقهاءِ المدينة رابع أَربعة فى بطن أُمه ولا غاية لعدده، وقال أَبو حنيفة: أَربعة فيما عرف وأَخبر شيخ فى اليمن الشافعى أَن امرأَته ولدت بطوناً فى كل بطن خمسة، وما مصدرية بمعنى يعلم حملها، وغيض الأَرحام وازديادها، أو موصولة أَى ما تحمله وما تغيضه وما تزداده، أَو استفهامية مفعول مقدم والجملة علق عنها يعلم { وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } سبق به القضاءُ بلا أَول لعلمه وقضائِه، ولا يتغير بكمية أَو كيفية، ودخل فى ذلك أَفعال العباد كسبا لهم وخلقاً لله - جل وعلا - وكل شىءٍ خلقناه بقدر، وعنده خبر، وبمقدار خبر ثان، أَو خال من ضمير الاستقرار.