خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
٧
وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ
٨
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ
٩
-إبراهيم

تيسير التفسير

{ وَإِذْ } هذا وما بعده من كلام موسى عليه السلام لقومه للجمع والخطاب فى قوله: { تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } أَى نعمه فإِن الشكر يقتضى تقدم نعمة تشكر { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِى لَشَدِيدٌ } والعطف على نعمة الله، والمعنى اذكروا نعمة الله عليكم، اذكروا القصة الواقعة حين تأَذن ربكم، أَو على إذا أنجاكم من آل إِلخ، فأَعاد إذ للتشبيه على استقلاله، أَى واذكروا نعمته عليكم فى الوقتين، فإِن التأّذن أيضاً نعمة من ربهم عليهم لأَنه سبب لتنشيط الشكر الموجب لزيادة النعمة، ومسبب لمجانبة الكفر الموجب للنقمة، ويجوز أن يكون ذلك من كلام الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقدر، واذكروا إِذ تأَذن ربكم بالجمع، ويجوز الإِفراد فيكون كقوله تعالى: " { يا أَيها النبى إِذا طلقتم النساء } "[الطلاق: 1] وفى التأَذن مبالغة لأَن من المعانى الموضوعة للتفعل التكلف والعلاج تعالى الله عنهما، والجملة مقول لمحذوف حال أَى قائِلا: لئِن شكرتم يا بنى إِسرائِيل ما أَنعمت به عليكم من الإِنجاءِ وغيره، أَو قائلا لئن شكرتم يا أَهل مكة ما أَنعمت عليكم به من رحلة الشتاءِ والصيف، ومن جعل مكة حرما آمنا وغير ذلك، بالإِيمان والعمل الصالح لأَزيدنكم نعم الدنيا ونعم الآخرة والدين، وقيل: نعم الدنيا، والعموم أولى، ومنه زيادة العبادة، وإِن كان الخطاب لمؤْمنى بنى إِسرائِيل، فالمراد بقيتم على الشكر، أَو زدتم فيه ولئِن كفرتم بقيتم على الشرك، أَو الفسق، أَو لئِن كفرتم بعد نزول هذه الاية إن عذابى لشديد، فخافوا أَن ينزل عليكم، أَو مفعول به لتأَذن لتضمنه معنى قال أَو معنى أَعلم، ومقتضى الظاهر، ولئِن كفرتم لأَعذبنكم عذاباً شديداً، وعبر عن ذلك بقوله: إِن عذابى لشديد؛ لأَن من عادة الله عز وجل أَن يصرح بالوعد كما قال: لأَزيدنكم، ويعرض بالوعيد تعريضاً، ولأَن من عادته تعالى إِسناد الخير إِليه دون الشر، ومن ذلك النوع أَن رحمته سبقت غضبه، ومنافع الشكر ومضار الكفر إِنما تعود إلى الشاكر والكافر، وأَما الله عز وجل فلا يلحقه نفع ولا ضر، كما قال:
{ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِى الأَرْضِ جَمِيعاً } من المكلفين { فَإِن اللهَ لَغِنِىٌّ حَمِيدٌ } لا يحتاج إلى شكرهم ولا إلى أَن يتركوا الكفر وهو محمود لنعمه، ولا نعمة إِلا منه وممدوح لذاته وصفاته، وهى هو فما شكرتم إِلا لأَنفسكم، وما كفرتم إلا عليها، وفى الآية إرشاد لأَهل مكة إلى أَن يتأَثروا بقول موسى هذا، وزاد تهديداً لهم بقوله { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأٌ } تقرير وتوبيخ بأَن لم ينتفعوا بخبر من قبلهم { الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ } قوم هود، سموا باسم جدهم عاد { وَثَمُودَ } قوم صالح سموا كذلك { وَالَّذِينَ } عطف على قوم أَو على الذين { مِنْ بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ } لكثرتهم، كما قال ابن مسعود: كذب النسابون، فلا يعلم أحد عمر الدنيا، ولا كم سنة من آدم، ولا الأَنساب إليه قال الله - عز وجل:
" { وقرونا بين ذلك } " [الفرقان: 38] " { ومنهم من لم نقصص عليك } " [غافر: 78] وجملة لا يعلمهم إلا الله حال من الذين أَو من المستتر فيمن بعدهم، أَو الذين مبتدأٌ خبره لا يعلمهم إِلخ، عن ابن عباس: بين عدنان وإِسماعيل ثلاثون أَبا لا يعرفون { جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبَيِّنَاتِ } تفسير للنبإِ وكأَنه قيل: ما شأْنهم؟ فقال جاءَتهم إلخ، وخبر ثان للذين الأَخير، وقوله: أَلم يأْتكم من كلام الله تعالى لأَهل مكة، وقيل: من كلام موسى، والأَول أَولى لأَنه اعتيد تهديد أَهل مكة بالأُمم قبلهم لا تهديد موسى لقومه بمن قبلهم،، ولأَن الكثرة تزيد بأَن يكون الخطاب لهم، وتنقص بأَن يكون من موسى لقومه، والبينات، البراهين { فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } إلى أَفواههم أَو كما يقال: رد الشىءَ فى موضعه بمعنى أَثبته فيه، والضمائِر فى قوله: جاءَتهم إلى قوله: أَفواههم عائِدة إِلى الذين من قبلهم والذين من بعدهم، ومعنى رد الأَيدى إمالتها إلى ما لم تكن فيه لا ردها إلى موضع كانت فيه فنزعت عنه بأَن عضوا عليها بعد إِمالتها إلى الفم غيظاً من رؤية الرسل ومما جاءَت به الرسل لتسفيه دينهم من عبادة الأَصنام وسائِر معاصيهم كقوله تعالى: " { عضوا عليكم الأَنامل من الغيظ } "[آل عمران: 119] ولما كان لازماللعض عبر به عن العض، وذلك لفرط حميتهم، والأَيدى على ظاهره، أَو الأَنامل كالآية المذكورة، أَو الرد وضعها على أَفواههم تعجيبا عظيماً كأَنهم أَراد أَن يفحشوا بالكلام فمنعوا أَنفسهم، أَو استهزاءً، أَو الرد غير حقيقى بل هو مجاز عن التعجب، أَو الاستهزاءِ أَو الرد فى الأَفواه منهم أَنفسهم عن الضحك بوضع الأَيدى على الأَفواه، كما يفعل ذلك من خاف الضحك من نفسه، أَو الرد وضعها على أَفواههم إِشارة إلى الرسل أَن اسكتوا، أَو إِشارة إلى أَلسنتهم بأَن جوابكم بها هو قولنا: إِنا كفرنا بما، إِلخ، أَو قالوا هذا وأَشاروا إِليها بعد القول، أَو الرد فى أَفواه الأَنبياءِ على أَن الهاءَ للأَنبياءِ أَمسكوا أَفواههم لئلا يتكلموا، وذلك حقيقة أو استعارة تمثيلية بأَن يشبه قصد الأَنبياءِ الكلام وعدم قبول الكفار له وزجرهم للأنبياءِ عن الكلام بقصد أَحد الكلام وكراهة غيره للكلام ومنعه عنه بإِمساك فمه، أَو الأَيدى النعم، وهى نعم الأَنبياءِ، وهى ما جاءُوا به من الوحى فالهاءُ أَيضاً للأَنبياءِ، ومعنى ردها عدم قبولها، وكأَنهم ردوها حيث جاءَت، وهذا أَيضاً تمثيلية، ويقال هاءُ أَيديهم للكفار، وهاءُ أَفواههم للرسل، والأَيدى، النعم، ويقال: الأَول للرسل والثانى للكفار، ويقال: الهاءان الكفار، { وقَالُوا إِنَّا كفرْنا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } على زعمكم أنكم أرسلتم به، أَو ذكروا الإرسال استهزاءً، أَو أَرادوا بما أُرسلتم به من غير الله، ولا يجوز أَن تكون أَنا إن المخففة من الثقيلة مثل: أَن قد صدقتنا بل التقت ثلاث نونات فحذفت ثانية أَن أَو نون نا ويدل لذلك ورود إننا بلا حذف { وإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } موقع فى الريبة من أَرابك فلان بمعنى أَوقعك فى الريبة، أًو مريب ذو ريبة من أراب بمعنى صار ذا ريبة، والشك هنا غير الريبة، والريبة هى قلق النفس بعد الشك، وقد يسمى بها الشك لأَنه سببها وملزومها، والجملة تأَكيد لما قبلها بوجه بليغ، إِذ جعلوا أَنفسهم محاطة بالشك المريب إحاطة الظرف بالمظروف وصح إِطلاق الشك عليهم بعد إِطلاق الجزم بالكفر لأَن الشاك كافر لأَنه إِنما يخرج عن الشرك بالجزم بالتوحيد فلا إِيمان للشاك فهو كالمنكر، أَو الواو بمعنى، أَو أَى إِما أَن نكفر جزماً أَن نشك، أَو الواو بمعنى أَو التنويعية، بعض يجزم بالكفر وبعض يشك أَو كفرنا بالمعجزات والبينات وشككنا فى التوحيد، وقرىء تدعونا وتصدونا بالإِدغام فالتقاءُ الساكنين إِذا كان الأَول حرف مد جائِز وارد ولو كان حرف المد والساكن بعده ليسا من كلمة واحدة، وقد جمعت قراءَات من ذلك فى شرح جامع حرف ورش.