خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
١١
-النحل

تيسير التفسير

{ يُنْبِتُ } المضارعَ للتجدد على مر الدهور أو لاستحضار الصورة لما فيها من الغرابة { لَكُمْ بِهِ الزَّرع وَالزَّيتُونَ والنَّخِيل وَالأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ } أَى وبعض كل نوع من الثمرات التى قضى الله بها، أو المراد ينبت لكم بعض كل الثمرات، وكلها لا يوجد إلا فى الجنة وفى الأرض إلا بعض أو بعض ما فى البقاع إلا مكان من ثمر القدرة وذاك شبه قوله: " { ويخلق ما لا تعلمون } "[النحل: 8] قدم المرعى لأَنه يتحول لبنا ولحما وهما أَفضل الأَغذيةِ، وعقبه بالحبوب فى قوله: الزرع، ولا شك أن البر والشعير معظم ما يؤكل وأَقواه، وذكر بعدهما الفواكه وقدم منها الزيتون لأَنه فاكهة من وجه وإدام من وجه ودهن فى مصالح ودواءٌ وأَكل وطلى واستصباح وغير ذلك، وفى الحديث: "كلوا الزيت وادهنوا به فإِنه من شجرة مباركة" ، وذكره الله فى القرآن بأَنه سبغ للآكلين، ومثل به نوره، وعقبه بالنخل، ولا يخفى منافع البسر والرطب والتمر وهو أفضل من العنب، ولا يخفى أن العنب يشبه النخل فى التغذى والتفكه وفى عمل الخل منها، وفى الآية تلويح إلى أن يهتم الإنسان بمن تحت يده وذلك من مكارم الأَخلاق، وفى سورة أُخرى تقديم طعام الإنسان " { كلوا وارعوا أنعامكم } "[طه: 54] لأنه مما لا دخل للإنسان فيه، أَو رجوعا إلى الأصل كما قال صلى الله عليه وسلم: " "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" فلو توقفت الحياة على قليل لا يوجد غيره ولا يكفى إلا واحدا لقدم صاحبه نفسه، ومات غيره إلا النبى صلى الله عليه وسلم فإنه أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم، كما يقدم الإنسان فى الدعاءِ نفسه شرعا { إنَّ فِى ذلِك } المذكور من إنزال الماءِ وما فصل { لآيةً } على وجود الله ووحدته وكمال قدرته، يخرج من نقرة نخلة ومن أَسفل الحبة وهو ما اتصل بالشجرة عروقا ومن أعلاها أَوراقا وأَزهارا وأكماما مع اختلاف الأَشكال والأَلوان والمنافع والرائحة والطعم واتحاد التراب والماءِ وحرارة الأَرض والشمس وبرودة الأَرض والهواءِ، وكيف يشرك به أخص الأَشياءِ فى الذات والصفة، وذلك يدرك والحمد لله بأَدنى تفكر { لِقَوْمٍ يَتَفكَّرُونَ } جعل هذا فاصله ليستعملوا العقول فى تلك الاختلافات مع اتحاد المادة والسبب، وفى ذلك رد على الطبيعيين - لعنهم الله - بأَن للعالم صانعا جل وعلا، وأيضا فمن خلق الطبع ونوعه تنويعا، وعلى الفلاسفة القائلين بأَن الأَشياءَ تكونت من الله بلا اختيار منه - لعنهم الله -، وأيضا يقال لهم لم اختلفت مع اتحاد المؤثر.