خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ
٦٢
تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦٣
وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٦٤
-النحل

تيسير التفسير

{ وَيَجْعَلُونَ للهِ مَا يَكْرَهُونَ } لأَنفسهم وهو البنات والشركة فى الرئاسة، أثبتوه لأصنامهم مع الله، وهو يكرهون أن يشاركهم فيها أحد، وإِهانة الرسل وهم يكرهون إهانة رسلهم، وإعطاء أراذل المال لله، وهم يكرهونه لأنفسهم ولأَصنامهم، وكانوا إِذا رأوا ما جعلوه لله سبحانه أزكى بدلوه لآلهتهم، وكما عاب عليهم الكذب بقوله:
{ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ } فهم جمعوا بين الجعل والكذب { أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى } فى تأويل المصدر بدل من الكذب مطابق أو يقدر الباء أو خبر لمحذوف أى هو لهم والأول أولى، والمراد بالحسنى الجنة على سبيل فرض البعث والتقدير كقوله:
" { ولئن رُدِدْتُ إِلى ربي لأجدن خيراً منها منقلبًا } " [الكهف: 36] " { ولئن رجعت إلى ربي إنَّ لي عنده للحسنى } " [فصلت: 50] بعض ينكر البعث، وبعض يجيزه ويشك فيه، وبعض يقرون به، حتى إن أحدهم ليربط البعير النفيس على قبر الميت ويتركه إِلى أن يموت، ويقول: يحشر عليه صاحب القبر، فهؤلاء أقروا بعث الناس والحيوانات، ويدعون الاشتراك مع المؤمنين فى نعيم الآخرة، كما اشتركوا فى نعيم الدنيا.
قال الله عز وجل:
" { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } " [الجاثية: 21] ومنهم من يقول النار للمؤمنين، والجنة للمشركين لكثرة أموالهم ونعمهم، فتكون الآخرة كذلك، وتحتمله الآية فجعل تقديم الظرف لنحصى فكذبهم الله عز وجل بقوله:
{ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ } لا للمؤمنين، وتقدم معنى لا جرم، ومنه أن لا نفى لما قبل، أى لا حسنى لهم، أو لا يصح ما قالوا، وجرم بمعنى حق، وأن لهم الخ فاعله، والجواب بأن لهم النار يقوى تفسير الحسنى بالجنة، وقد يقال: الحسنى العاقبة الحسنى.
{ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُون } مجاوزون الحد فى المعاصى، ووصف ألسنتهم للكذبة مبالغة فى وصف كلامهم بالكذب، كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة، وألسنتهم تصفها وتعرفها، وسلّى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:
{ تَاللهِ لقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } فأصروا على قبحها وكفروا بالمرسلين، وكذبوا وأهلكوا دنيا وأخرى، ونجا المرسلون ومن تبعهم من سخط الله فى الدنيا، وفازوا فى الآخرة، كذلك أنت يا محمد ومن آمن مع أمتك الذين لم يؤمنوا.
{ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ } ولى لأمم { الْيَوْمَ } هو الدنيا أو هو حين التزيين حكاية للحال الماضية، كأنها حاضرة، أو هو يوم القيامة كأنه حاضر لتحقق الوقوع بعد، ويجوز عود الهاء لكفار قريش الشيطان يليهم بالغرور فى الدنيا حين التزيين، أو الضمير للأمم على تقدير مضاف، أى ولى أمثالهم، والأمثال قريش أو لقريش، والأمثال الأمم، والولى المقترن بهم فى الدنيا بالإغواء، والغرور فى الآخرة بالاجتماع فى النار، وشدة ضيق النفس بالاجتماع بهم، والقرن فى حديد واحد، ونحو ذلك،
{ { وإذا النفوس زُوِّجت } [التكوير: 7]، { { يا ليت بينى وبينك بعُد المشرقين } [الزخرف: 38] أو الولى فى الآخرة الناصر على التهكم بهم، أولا ولى لهم يتوهمونه يوم القيامة، إلا هو وهو لا يصرف عن نفسه، فكيف بهم.
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يوم القيامة.
{ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ } يا محمد.
{ الْكِتَابَ } القرآن.
{ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ } للناس الذين فى زمانك، ودخل بالأولى قومه، أو المراد قومه، وقدم التبيين على الهدى والرجعة لتقدمه فى الوجود، وهذه الآية تقوى أن الناس قبل هذه الآية المشركون من قومه، المعهودين لكن لا مانع من أن يرادوا هنا، لو عم هنالك فيرجع الضمير إليهم لقرينة التبيين، بإنه إنما يبين لمن فى زمانه، فيتصل البيان لمن بعده بالنقل عنه صلى الله عليه وسلم إلا لمن قبله.
{ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ } أى خالفوك فيه من الافتعال الذى بمعنى المفاعلة، أو اختلفوا فيه معك، وذلك هو التوحيد والقدر والقضاء والبعث، وأحوال القيامة والفرائض والمحرمات وسائر الأحكام.
{ وَهُدًى وَرَحْمَةً } نصب على التعليل والعطف على محل تبين لاتحادهما مع الإنزال زماناً وفاعلا، ولما كان التبيين له صلى الله عليه وسلم لا لفاعل الإنزال جُرَّ باللام، ووجهه مجرور الحرف مفعول به، وصل إِليه بالحرف فحمل مجرور هذه اللام النصب على التعليل، والأولى نصبهما بأنزلناه مقدراً، ولا يجوز فى الفصيح مررت بزيد وعمرواً بنصب عمرو.
{ لِقوْمٍ يُؤْمِنُونَ } به، خصهم بالذكر، لأنهم المنتفعون والمعتبرون، وكذا:
" { لقوم يسمعون } " [النحل: 65] ونحو ذلك فى محاله.