خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ
٦٨
-النحل

تيسير التفسير

{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ } ألهمها، شبِّه الإلهام بما وضع له الإيحاء وهو الكلام الخفى، كما أخرج اللبن من بين الفرث والدم، كذلك أخرج العسل من النحل، وزعمت الصوفية المبطلة - قبحهم الله - أن لسائر الحيوانات أنبياء ورسلا ووحيًا من الله عز وجل بالملائكة إليها، وكذا زعم بعض الحكماء أن لها نفوسًا ناطقة.
{ أَنْ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا } أن تفسيرية لأن فى الإيحاء بمعنى الإلهام معنى القول دون حروفه، فإنه يفيد ما يفيد القول فلا تهم، والمراد بالإلهام خلق الميل إلى الموحى به، أو مصدرية مع ياء الملابسة أى بأَن اتخذى من الجبال بيوتًا مسدسة من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها على بعض، بحيث لا يحصل فيها خلل ولا فرجة ضائعة وبيوتًا مثلثة ومربعة ومخمسة، وألهمها أيضا أن تجعل على أنفسها أميرًا أعظمها جثة لا تعصيه، ويسمى يعسوب النحل أى ملكها، وأن تجعل على باب كل خلية بوابًا لا يمكِّن غير أهلها من دخولها، وأن تخرج للمرعى، وترجع إلى بيوتها، ولا تضل، ويقال تبنيها بالشمع، وتلقى العسل داخلها، وإذا نفرت عن وكرها ارتدت بالطبل والموسيقا والأصوات الحسنة.
ومن بمعنى فى، وليست تبنيه بحجر الجبل، فلا حاجة إِلى جعلها للتبعيض، ولو أمكن باعتبار أن موضع بنائها بعض من الجبل، وعلى كل حال المراد جنس الجبل لا الجبال كلها، ولا الجبل كله تبنى فى الجبل وفى الشجر فى غير العمران، كما قال الله جل وعلا:
{ وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } أى وفيما يبنى لها فى العمران لتأوى إليه، وتبنى فيه بالشمع من كرم أو سقف، وذلك أمر تكوين إذ لا قدرة لها على العروق أو أمر على ظاهر، وليس فى مضمونه ما يترتب عليه من دخول العروق وإلا لم تأو، وذلك ثلاثة أنواع سميت بيوتًا استعارة لأنها بناء وتأوى إِليه، وتتردد إِليه كما يتردد الإِنسان إلى بيته، كلها متقنة كأنها عمل مهندس ماهر بالدابد ونحوه من الآلات، بل أعظم من عمله، وقولهم أو بنتها مثلثة أو مربعة لكان فيها فضاء بلا نفع غير مسلم، ويقدر بيوتًا بعد يعرشون، أو بيوتًا للذكور شامل لها، كأنه قيل أن اتخذى من الجبال ومن الشجر ومما يعرشون بيوتًا، وعلى كل حال آخر وفصل بمن الفاصلة، ولمغايرة الاتخاذ فيه لنوع الاتخاذ الأول.