خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨
-النحل

تيسير التفسير

{ وَالْخَيْلَ } اسم جنس لا واحد له من لفظه وله واحد من معناه وهو فرس، وسميت خيلا لاختيالها فى مشيها، والعطف على الأَنعام { وَالْبِغَالَ } أَبو البغل الحمار، وأُمه الفرس الأُنثى { وَالْحَمِير } نصب الخيل وما بعده عطفاً على الإنسان إن جعلنا الأَنعام معطوفاً عليه، وإن جعلناه من الاشتغال فالأَولى نصب الخيل وما بعده، فخلق محذوفاً هكذا، وخلق الخيل والبغال والحمير { لِتَرْكَبُوهَا } جر المصدر المؤول باللام التعليلية المتعلقة بخلقها لاختلاف الفاعل لأن فاعل الخلق الله سبحانه وتعالى، وفاعل الركوب الناس، ونصب زينة من قوله: { وزِينَةً } على التعليل لاتحاد فاعلهما، لأَن الخالق والزاين هو الله جل جلاله، نص على أن الثلاثة للزينة ولم يذكر الحل للأَكل والآية مكية، والحمر الأَهلية حرمت فى المدينة عام خيبر عند الجمهور، وفى الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأَهلية أَى فى المدينة فهى قبل ذلك على الحل، والأَصل فى الأشياءِ قبل النزول الحل إلا ما تبين، وأَذن فى لحوم الخيل يوم خيبر، وفى رواية: أكلنا زمان خيبر الخيل وحمر الوحش، ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلى، وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله "ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير وكنا قد أصابتنا مخمصة فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل، وفى الصحيحين عن أسماءَ بنت أَبى بكر الصديق: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا ونحن بالمدينة فأَكلناه أَو نحوه أَحل الحسن البصرى وشريح وعطاءُ وسعيد بن جبير والشافعى وأَحمد وإسحاق وأبو حنيفة قبل موته بثلاثة أيام وصاحباه، وذكرهم للزينة والركوب لا ينافى حل لحمها وحمل الثقال عليها كما أن ذكر الأنعام للأَكل لا ينافى حل الركوب عليها والزينة بها، وإِنما ذكر فى كل من ذلك ما هو المقصد الأَعظم فيه امتناناً علينا بحسب ما يعتاد فيه، ولا يخفى أن المنفعة العظمى فى الأَنعام قد ذكرت بالحل للحمها، والشعر للباس وغير ذلك من المنافع، والسنة بينت حل الخيل وتحريم الحمار والبغل، ولا يلزم من تعليل الشىء بما يقصد منه غالباً أن لا يقصد منه غيره أَصلا، وعن ابن عباس: تحريم لحم الخيل كالبغل والحمار، وعليه مالك وأبو حنيفة لذكرهما بالركوب والزينة، ولا يتم تعليلا، وفى أفضل كتب الحديث للربيع بن حبيب عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد: بلغنى عن على ابن أبى طالب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الإنسية، إلا أنه مقطوع وهو فى تلك الكتب المذكورة موصول عن أبى يوسف ومحمد إباحة الخيل لما روى عن جابر: كنا جعلنا فى قدورنا لحم الخيل ولحم الحمار فنهانا عليه الصلاة والسلام أن نأكل لحم الحمار، وأمرنا أَن نأْكل لحم الخيل، يعنى أن بعضاً جعل فى قدره لحم الخيل، وبعضاً لحم الحمار فلو كانا فى قدر بمرة ولم يدخلهما النضج لغسل لحم الخيل والقدر وطبخ لحم الخيل وحده، وعن أبى حنيفة كراهة لحم الخيل لا تحريمه لاختلاف الصحابة والسلف، وعن حسن عنه - من تلاميذه - أنه يحرمه، وقيل: أَراد أبو حنيفة بالكراهة الحرمة، وذكر بعض: أَن البغل إن كانت أُمه اَتانا فكالحمار والعبرة بالأُم، وإن كانت فرساً فكالفرس، وإن نزا الحمار على الرمكة لم يكره لحم بلغها، والمذهب تحريم الثلاثة، ورخص بعض فيها، وروى أبو داود والنسائى عن خالد ابن الوليد: أَنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أَكل كل ذى ناب من السباع وعن لحوم الخيل والبغال والحمير { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أنتم ولا غيركم، أو ما لا تعلمون أنتم وقد علمه غيركم وذلك فى الأَرض، والأرضين تحتها، وفى الهواءِ وفى السماوات، روى أن سمكة عظيمة اتبعت سمكة عظيمة دونها من البحر المحيط فدخلت التى دونها زقاق سبتة أَعنى الخليج الممتد من جهتها إلى طنجة ولم يسع العظيمة مع أنه فراسخ وأن ناساً فى المركب من جهة الجنوب رأَوا الأُسود والنمور والفيلة وغيرها هربت من غابة لحية من ورائِها كالصومعة تمتد إلى فوق ثم تنكس فى مشيها يكون الفيل لقمة لها، ومثل هذا فى الكتب كثير، وأَخرج ابن مردوية عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: أن مما خلق الله تعالى لأرضا لؤلؤة بيضاءَ مسيرة ألف عام عليها جبل من ياقوتة حمراءَ محدق بها، وفى تلك الأرض ملك ملأَ شرقها وغربها له ستمائة رأس فى كل رأس ستمائة وجه، وفى كل وجه ستمائة أَلف وستون ألف فم فى كل فم ستون ألف لسان يثنى على الله تعالى ويقدسه ويهلله ويكبره، وإذا كان يوم القيامة نظر عظمة الله تعالى فيقول: وعزتك ما عبدتك حق عبادتك، فذلك قوله تعالى: { ويخلق ما لا تعلمون } ويجوز أَن يكون المراد ما لا تعلمون ما يحتاج إليه كذلك، وأَن يكون المراد ما فى الجنة والنار بما لا يخطر لهم ببال كما قال صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى: " أَعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأَت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" وروى ابن عباس والضحاك ومقاتل وعطاء أنَّ عن يمين العرش نهراً من نور مثل السماوات السبع والأَرضين السبع والبحار السبع يدخل فيه جبريل كل سحر فيغتسل ويزداد جمالا وعظماً ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا أَلف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور، وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون أَبدا، ولا يحسن أَن يفسر ما لا يعلمون بالسوس والدود فى النبات والثمار.