خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
٨٩
-النحل

تيسير التفسير

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } نبيًّا يشهد، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير نبى أو صالح فيهم، أو نبى وصالح معاً، ولا بد فى كل عصر من قائم على أهل عصره يكون صالحا حجة، ولا تخلو منه أمة يشهد هو لهم، وتشهد لهم أمته، ويزكى أمته، فإن دخل صلى الله عليه وسلم فى قوله: { ويوم نبعث } إلخ بلا بأس بذكره هنا شهيداً على غير أمته من الأنبياء، وجاز إرادة أمته فى الموصمين، ولا تكرار، ولأن الشهادة الأخيرة تزكية لهم، إذ شهدوا على الأنبياء وأممهم، وكذلك جعلناكم أمة وسطا إلخ.
ولفظ على فى الخير والشر، والشاهد علو فى الجملة، أو لوجه ما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد على مَن يأتى من أمته إلى قيام الساعة، ومنه صلى الله عليه وسلم:
"حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتى خير لكم تعرض علىَّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله تعالى عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم وتعرض على القرابة" . قال صلى الله عليه وسلم: "لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور" رواه ابن أبى الدنيا عن أبى هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا" رواه أحمد عن أنس، وروى داود مثله عن جابر، وزاد: وألهمهم أن يعملوا بطاعتك.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساءون" رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء، فكان أبو الدرداء يقول: اللهم إنى أعوذ بك أن يمقتنى خالى عبد الله بن رواحة إِذا رأيته يقول ذلك فى سجوده.
{ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } بعطف يوم نبعث من كل أمة على يوم نبعث السابق، ويقدِر ما قدر فيه لبُعده، والأول يشمل الشهادة للأمم وعليها، كما مرّ، وهذا فى الشهادة عليها فقط لزيادة الزجر، وهذا التأسيس أولى من أن يقال: هذا تفسير للسابق، أو أن يقال: الشهادة عليهم بمعنى الإخبار عنهم إسلاما وكفرا، والأصل عدم التفسير، والأصل أن على للضرر، ومن أنفسهم من جنسهم أولاد من المعاشر لهم اللائق، ولو فسر بالنسب لأشكل بلوط وشعيب، إذ ليس هما من نسب أقومهما، إلا أن يحمل على النسب تحقيقا أو حكما، فإنهما من النسب حكما لعشرتهما لهم، أو من يكون نسبهم مثلهما شهد فى مقامه صالح من نسبهم، أو يعتبر الغالب.
{ وَجِئْنَا بِكَ } يا محمَّد { شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ } أمتك فى إنزال هذا عليها زجر عظيم إلى آخرها، ويجوز أن يفسره هؤلاء شهداء الأمم، وهم أنبياؤه فهو شهيد على الأنبياء، وذلك لعلمه بعقائدهم، واستجماع شرعه لقواعدهم، ولأنه مرسل إلى الأنبياء وأممهم، فالأنبياء كآحاد أمته، ولا مانع من هذا، ولو جاء الحديث بأن هذه الأمة تشهد للأنبياء بالتبليغ، ولا مانع من تكرير الشهادة، والنبى صلى الله عليه وسلم يزكى أمته، وقوله تعالى:
" { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } " [النساء: 41] كهذه فى احتمال أن هؤلاء هم الأنبياء وزعم بعض أن الشهيد عشرة أجزاء من الإنسان: الأذنان، والعينان، والرجلان، واليدان، والجلد، واللسان، فذلك شهيد على الإنسان عن نفسه.
ويرده المقابلة بقوله تعالى:
" { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } " [النساء: 41] وقوله تعالى: { فى كل أمة شهيداً عليهم } فالشهادة على الأمة لا على نفسه، ولعل قائله أراد الوعظ لا حقيقة التفسير، وكل ما لا يجوز التفسير به لا يجوز ما يوهم أنه تفسير.
{ وَنزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تبْيَانًا لِكُلِّ شَىْءٍ } من التوحيد أو منه، ومن الفروع، لأن ما يقول النبى صلى الله عليه وسلم من الوحى وغيره، وما يقول العلماء هو فى القرآن والحديث مثل:
" { وما آتاكم الرسول } " [الحشر: 7] " { وما ينطق عن الهوى } " [النجم: 3] وقوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" أو من الدين والدنيا، ولو تفاوت الناس فى القرآن بقوة الفهم وضعفه، قال ابن عباس: لو ضاع لى بعير لوجدته فى القرآن.
{ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } عطف على أنزل من السماء ماء، أو على أوحى ربك، أو على أخرجكم، أو الواو للحال، وصاحبها نا من جئنا، أو كاف بك، على تقدير: ونحن نزلنا، أو قد نزلنا وقد أجيز كون الماضى ولو متصرفا مثبتا مجرداً من قد حالا مع مرفوعه، والحال محكية، ولزمان لا يجرى على الله، ومَن قال بجريانه عليه احتل توحيده، لأنه تعالى والخالق له قليلا قليلا، والقرآن فيه بيان كل شئ، بتصريح أو فهم أو سنَّة أو قياس، وأما الإجماع فمأخوذ من ذلك إلا أنه بعد ذلك خفى موضع استنباطه من ذلك على غير المجمعين، والمراد كل شئ ما يحتاج إليه من أمر الدين، وللمسلمين نعت: لهدى ورحمة وبشرى، أو تنازعت فيه فيقدر لفظ لهم لما أهمل، والهاء عائد إلى المسلمين، وخص المسلمين لأنهم المنتفعون، أو لا تنازع، ولكن المراد هدى ورحمة لكل أحد، كما قال عز وجل: هدى ورحمة للعالمين وبشرى للمسلمين خاصة.
وبشرى بمعنى التبشير اسم مصدر، والتبيان التبيين البليغ، ولا يوجد تفعال بكسر التاء فى المعانى المصدرية إلا تبيان وتلقاء بمعنى اللقاء، كما روى ثعلب عن الكوفيين، والمبرد من البصريين، وذكره الزجاج بلا حصر، وقيل له الزجاج، لأنه كان ينحت الزج، وهو ما يثبت فيه أصل الرمح.
وباقى المعانى المصدرية كلها بالفتح: كالتستار، والتذكار، والتكرار، والتهدار، والتلعاب، وغير المعانى المصدرية بالكسر وصفا أو غيره: كالتمساح والتمثال، وتقصار لقلادة المرأة، وتعشار وتبراك لموضعين، ورجل تكلام وتلقام وتلعاب، وناقة تضراب قريبة بضراب الفحل، وتمراد لبيت الحمام، وتلفاف لثوبين ملفوفين، وتجفاف لما تجلل به الفرس، وتهواء لجزء ماض من الليل للقصير اللئيم وتيفاف لموافقة الهلال.