خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً
١٠٠
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً
١٠١
-الإسراء

تيسير التفسير

{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ } فاعل لتملك أصله تملكون، دل عليه قوله { تَمْلِكُونَ } حذف الفعل، وانفصل الضمير، وهذا من التوكيد اللفظى مع الاختصار، وكذا باب الاشتغال فى النصب، وقدر بعض لو كنتم تملكون فحذف كان وحده، وانفصل الضمير، فتملكون خبر لكان، وذلك بياء على أن لولا يليها اسم على طريق إيلائه إن وإذا إلا ضرورة.
{ خَزَائِنَ } استعارة للموجودات فى علم الله من الخير بحقيقية أو تخييلية { رَحْمَةِ } نعمة وهو مجاز مرسل { رَبِّى } من الرزق والمطر، وصحة البدن وغير ذلك.
{ إِذًا لأَمْسَكْتُمْ } استعمل بمعنى بخلتم، فكان لازما أو بقى على تعديه فيقدر له مفعول به، أى لأمسكتم ما بأيديكم لا تنفقونه.
{ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ } عاقبة الإنفاق وهى نقصه، أو الفقر وفقدها بالكلية، فيقدر مضاف كما رأيت، أو الإنفاق كناية عن لازمه، وهو نفاد الكل أو النقص، أو الإنفاق بمعنى الافتقار كالإملاق فى الآية الأخرى، يقال: أنفق مال فلان أى ذهب، ونفق ماله ونفق الزاد ذهب والبخل لازم لكل واحد، فإن كل أحد يختار نفسه بماله عن غيره، وإن أعطاه فلأنه يرجو عطاءً دنيويًا أو عوض مدح أو نحو هذا، أو عوضا أخرويا، والله جل وعلا يعطى بدون ذلك.
وسئل بعض أصحابنا الأغنياء فقال لسائله: خذ من زكاتى، فأبى فقال: هل سمعت بغنىّ جواد، يعنى أن الجود إعطاء جميع ما فى اليد والملك، وما كان الإنسان غنيًّا إلا لعدم هذا الجود، ولو جاد كذلك كان فقيراً.
{ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا } ضيّقًا ممسكا بخيلا، لأنه محتاج، ويحرم عليه أن يؤخر قضاء الدِّين، وقد وجد القضاء وأمكنه، سواء كان الدِّين لخاص أو لعام، لميت أو لحى، كالأموال التى تجب للفقراء كالزكاة، وما لا يعرف له رب، وأنواع الكفارات فمؤخرها مع الوجود والإمكان داخل فى قوله صلى الله عليه وسلم وآتاه الوسيلة
"مطل الغنى ظلم" ومن ذلك تأخير أموال الأوقاف والوصايا مع الوجود والإمكان والدرهم فى الحياة كسبعين بعد الموت، وسبعون بعد الموت، كواحد فى الحياة، وتأخير الواجب مع الوجود والإمكان من الرغبة والرهبة، والحج ليس حقا لمخلوق، فلا بأس بتأخيره وهو مكروه إلا حجا أوصى به. فيعجل الوارث والخليفة به.
وصية الأقرب لا تنفذ قبل الموت إِذ لا يتعين الأقرب إِلا بعد الموت، وليس فى ذكر الوصية فى القرآن والحديث إجازة تأخير حقوق الناس إلى الموت، بل يجب إنفاذها وإِلا فلا أقل من الإِيصاء، فذكرها فيهما يشمل الإيصاء بالواجب وبئس ما فعل من تأخيره ويشمل الإيصاء بغير الواجب، ولشح الإنسان كان إنما ينفق لرجاء عوض، وهكذا حاله، ولو كان غنيًّا ويحتمل أن يراد إن غالب الناس بخلاء لا كلهم.
قال الكرخى: إن من الإنسان الأجواد الكرام حتى إن منهم من يجود بنفسه، وقد قيل الجود بالنفس أقصى غاية الجود
حصلت لى نسخة منه عتيقة قوبلت على أصله، وقيل: الخطاب قبل هذا للقائلين: لن نؤمن لك إلخ، وأنهم المراد بالإنسان، ولما قالوا لن نؤمن لك إلخ أجابهم الله بأنا قد آتينا موسى آيات مساويات لما ذكرتم أو أعظم، ولكن علمنا أن لا تؤمنوا لو أعطيناكم ما طلبتم، كما لم يؤمن قوم موسى كما قال:
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل وهو سوس، والضفادع، والدم، والطمس على أموالهم بمسخها حجارة، والسنين، ونقص الثمرات. أو العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم وانفجار الماء من الحجر، وانفلاق البحر، ونتق الجبل على بنى إسرائيل، أو الطوفان والسنين، ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة، أو يجمع الكل لأن ذكر العدد لا يفيد الحصر، ويبحث بأن الحجر والطور ليسا من الآيات المذهوب بها إلى فرعون وفلق البحر ليس على التحدى.
قلت كل ما علم به أو شهده فهو آية جئ بها له، وذكروا منها موت البهائم، وبرداً وناراً أهلكا كل ما مرا به من نبات وحيوان، وظلمة وموتًا عم كبار الآدميين، وجميع الحيوان.
وروى الترمذى والنسائى وابن ماجه، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان ابن عسال أن يهوديًّا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الآيات فقال:
"ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إِلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببرئ إلى ذى سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا فى السبت" فقبّل اليهودى يده ورجله.
وفى رواية عنه أنه جاءه يهوديان اتفقا أن يسألاه فسألاه فأَخبرهما بذلك، فأَسلما فقبّلا يديه ورجليه، وهؤلاء عشر لا تسع، فيجوز أن تفسر الآية بالتسع المذكورة فى هذا، والاعتداء فى السبت خاص بهم قبل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهن آيات تعم كل أمة، وبعد بعثه صلى الله عليه وسلم، يجوز لهم الصيد فى السبت من البحر كغيرهم، وكسر بينات جر على أنه نعت آيات، أو نصب على أنه نعت تسع.
{ فَاسْأَلْ } يا محمد { بَنِى إِسْرَائِيلَ } عن الآيات العامة غير المنسوخة الموحاة إلى موسى، أو سلهم عن موسى فيما جرى بينه وبين فرعون وقومه سؤال تقرير.
{ إِذْ جَاءَهُمْ } أى إذ جاء موسى آباءهم بالوحى من الله، والهاء لبنى إسرائيل على حذف مضاف كما رأيت، وذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلام بأنه لو أعطى ما اقترحوا لم يؤمنوا، كما لم يؤمن قوم فرعون بآيات موسى، وزيادة فى قوة يقينه بتتابع الآيات.
والمراد بالسؤال كون بنى إسرائيل من أهل علمه لا أن يخبروه، وإِذ متعلق بآياتنا، واعترض بما بينهما للمسارعة إلى الأمر بالسؤال لتبكيت المشركين، ولما مر من النكت أو متعلق ليخبروا محذوفًا مجزومًا فى جواب الأمر أى سلهم يخبروك إذ جاءهم كذا قيل، وهو غلط لأن مجئ موسى فى زمانه، والإخبار فى زمان رسول الله صلى الله وسلم عليهما، أو منصوب باذكر مستأنفًا، أو بلفظ الحادث، أى واذكر الحادث إذ جاءهم.
ويجوز أن يكون اسأَل على حذف قول معطوف بالفاء على آتينا، أى فقلنا لموسى: سل بنى إسرائيل، ويدل لهذا قراءة ابن عباس: فسأَل بصيغة الماضى، فإن ضميره لموسى إلا أنه قلب الهمزة ألفًا، وهو لغة، وعلى هذا سل بمعنى اطلب فرعون أن يعطيك بنى إسرائيل، أى اسأل فرعون بنى إسرائيل عن دينهم، وإِذ متعلق بقلنا المقدر لا بسل، لأنه قال: إذ جاءهم، ولم يقل: إذ جئتم، فقال لك ويتعلق بسأَل فى قراءة صيغة الماضى.
{ فَقَالَ فِرْعَوْنُ إِنِّى لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا } فسد عقلك بسحر أحد لك، أو بما تأتينا به من السحر، فصرت تأتينا بما لا يليق، أو بمعنى ساحر كميمون ومشئوم، على أن مفعولا يجئ من المتعدد للنسب، سماه ساحراً إذ رأى منه العجائب كالعصا، وعطف قال على جاء.