خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً
١٥
-الإسراء

تيسير التفسير

{ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ } ثواب اهتدائه له، لا ينفع غيره ممن لم يهتد.
{ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } عقاب ضلاله عليه، لا على من لم يباشره، كل أحد يعاقب بما عمل، ومن أمر بسوء فأمره فعل له، يعاقب عليه، ومن تبعه عوقب على فعله من أتباعه، وذلك تحقيق لقوله تعالى:
" { وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه
"[الإسراء: 13] { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } لا تذنب نفس وازرة { وِزْرَ أُخْرَى } أى لا تتصف بذنبها، فلا تؤاخذ به، فتتخلص منه الأخرى. ولا تعاقبان به معاً، وفى ذلك رد على من يقول إن لم نكن على الحق فاتباعه على الأسلاف الذين قلدناهم، كما قال الوليد بن المغيرة: اكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلىّ وزركم، وهو سبب نزول الآية، وأما قوله تعالى: " { مَن يشفع شفاعة حسنة } "[النساء: 85] إلخ وقوله: " { ليحْملوا أوزارهُم } "[النحل: 25] إلخ فهما من انتفاع الإنسان بحسنة غيره، أو إِعانته على معصية، وهذا تأكيد لقوله: { ومن ضل } إلخ.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:
"إن الميت ليُعذَّب ببكاء أهله عليه" فمحمول على ما إذا أمرهم بالبكاء، أو علم أنهم يبكون إذا مات، ولم ينههم، فقد عذب بفعل نفسه أو عذابه فى قبره خيفة بهم، كعذاب الدنيا، وهو فى القبر لا عذاب عقاب، أو الميت المحتضر يتضرر ببكاء أهله، إذ كرهه وأما عقل دية الخطأ فليس عقاباً بل تشريع بالمعاونة، ألا ترى أنا القاتل لا ذنب عليه فكيف قومه. وأما رواية عن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم "أطفال المشركين فى النار" ، فلم تصح ثم رأيت والحمد لله أن عمر بن عبد البر ضعفها، وأما قوله: صلى الله عليه وسلم لسعد بن جثامة إذ قال: "نصيب درارى المشركين فى البيات هم منهم" ، فمعناه أنهم منهم فى الحكم كالاسترقاق وهم فى الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: "سألت ربى فى اللامين يعنى أطفال المشركين، فأعطانيهم خدماً لأهل الجنة" .
وروى الحكيم الترمذى، وابن عبد البر، عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم: "أولاد المشركين خدم لأهل الجنة" وروى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم رأى الخليل وحوله أولاد الناس فقالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين قال: "وأولاد المشركين" وبذلك أقول لتلك الأحاديث ولآية: " { ألاَّ تزر وازرة وزر أخرى } "[النجم: 38] وقد قيل: نزلت الآية فيهم، وأيضاً لقوله تعالى: { وما كنا معذبين } إلخ.
{ وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ } أى لأحد فى الدنيا أو الآخرة أو فيهما على الذين { حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } يبيِّن له ما يجب عليه، وما يحرم عليه، والمراد ما عذبنا أحداً قبل التبليغ، بل بعده فكذلك أنتم تعذبون إن لم تؤمنوا، لأنا قد بلّغناكم وهذا أولى من أن يقال مضى قضاؤنا الأزلى أن لا نعذب أحداً بعد الأزل إِلا بعد التبليغ، وقد بعث الله الرسل فلا يعذر أهل الفترة فى التوحيد، ولا فيما دونه، ولو لم يجدوا مخبراً، هذا مذهبنا.
والواضح أنهم لا يعذرون فى الشرك، لأنهم عقلاء، والموجدات دلائل الله يعرفونه بها، وأغفلوا النظر فعوقبوا على الإغفال، وبعثه الرسل منبهه، ثم إِنى تتبعث الأخبار، فاتضح أنه لم يخل زمان من مخبر بالتوحيد وما دونه، لأنهم يسمعون أن ولد كذا عالماً وأن فى بلد كذا شجرة كتب فيها التوحيد ونحو ذلك، ومع هذا لا يتم أنه بلغهم ذلك كلهم، فالظاهر أن أهل الفترة قد لا يبلغهم الخبر، فهم معذورون فى غير التوحيد، ولو كان مجرد الوحى قاطعاً للعذر ولو بلا سماع لزم كفر من لم يبلغه الوحى فى زمانه صلى الله عليه وسلم أيضاً فيكفر من فى المدينة حتى يجيئه الخبر من مكة وبالعكس، وكذا سائر البلاد، وكيف يقول الله عز وجل لأهل الفترة:
" { ألم يأتكم نذير } " [الملك: 8] وكيف يقولون: { { بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزَّل الله من شئ } [الملك: 9] إلخ ونحو ذلك.
وألزم الشرع من علم أن نبيا أرسل إلى أحد كأنه أرسل إليه، وجاء الحديث بأن أهل الفترة فى النار، وقال صلى الله عليه وسلم لقومه وغيرهم:
"آباؤكم فى النار" ولم يقيد بعدم السماع. قال الحليمى: إذا بلغ عاقلا خبر وجب عليه التأمل فيه، وإن أهمل أشرك، ويبعد أن يوجد أحد لم يبلغه خبر نبى لكثرة الأنبياء وصول أزمانهم. وكثرة من آمن، وكثرة من عاند وخالف، فتلزمه الحجة ولو بخبر من كفر، وزعمت الأشعرية أن لا تكليف قبل البعثة، ولزمهم إِباحة الإشراك.
ومذهب أبى حنيفة أن من لم تبلغه الدعوة إن لم يصدق بوجود الله تعالى ووحدانيته يخلد فى النار، لكونه عامًّا، وجعل الرسول عاما للعقل. والآية رد على المعتزلة فى قولهم بالحسن والقبح العقليين، وأن العقل يحكم بالوجوب والتحريم طبق حكم الله، ولا يخالف وهو خطأ فاحش، والعقل عاجز عن ذلك كما لا يخفى عن كل أحد، وهو مخالف للقرآن لنص القرآن أَن الحجة الرسل على العقلاء.