خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
٢٣
-الإسراء

تيسير التفسير

{ وَقَضَى رَبُّكَ } أمر ربك { أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ } بأَن لا تعبدوا، أو واجب ألا تعبدوا إلا إياه، أو حكم بأن لا تعبدوا إلا إياه، بمعنى حكم بأنه لا تجوز عبادة غيره، وليس المعنى أنه سبقت إرادته أنه لا تصدر عبادة غيره عن أحد، ولو كان ذلك لم يقع إشراك البتة، ولا نافية، وأن مصدرية، وأعجب من إجازتهم أن تكون مصدرية متصلة بالنهى، أو بالأمر، مع أَن النهى والأمر لا خارج لهما يكون حدثاً معنى للمصدر، فإذا جعلت لا ناهية، فإن تفسيرية لتقدم معنى القول، وهو القضاء، وأنا أبهج بذلك من صغر سنى إلى أن رأيته للشيخ زادة، ونصه: صلة أن المصدرية لا تكون شيئاً مما فيه معنى الطلب على الأصح، وإن أجازه سيبويه.
{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أى وبأن تحسنوا بالوالدين، على أن قضى بمعنى أمر، وأن تحسنوا بلا باء، على أن قضى بمعنى أوجب، وإما أن تقدر وأحسنوا بالوالدين إحسانا ففيه عطف الأمر على الإخبار والهاء متعلق بإحساناً لجواز تقديم معمول المصدر إذا كان ظرفاً ولا سيما إن كان المعنى على غير قصد انحلاله له إلى حرف المصدر والفعل، كما هنا، لأن تقدير الفعل قبله يغنى من انحلاله إلى ذلك، أو تتعلق بهذا المقدر قبلها، الإحسان إليهما أعم من أن يأمراه أو ينهياه، فيطيعهما، وأن لا يأمراه ولا ينهياه فينظر هو ما يلوق بهما فيفعله والطاعة ما كان عن أمرهما أو نهيهما، فهى أخص من الإحسان.
{ إِمَّا يَبْلُغَنَّ }إن الشرطية، وما التى هى صلة للتأكيد أبدلت نونها ميماً وأدغمت فى الميم (عِنْدَكَ الْكِبَرَ) فى كفالتك، وتحت يديك بالنفقة، والقيام لهما لأنهما كالطفل، لعجزهما فى بيتك، وهو أولى أو فى غير بيتك.
{ أَحَدُهُمَا أَو كِلاَهُمَا } عطف على أحدهما فإن كلا لا يختص بالتوكيد، فإنه يكون مبتدأ أو فاعلا ومفعولا وغير ذلك، وهو هنا فاعل بواسطة العطف.
{ فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } فكيف الدفع والضرب، وما هو أشد من التأفيف، وذلك قياس جلى لأنه يفهم بطريق الأولى، ويسمى فحوى الخطاب، ومفهوم الموافقة، ولكن قد يكون مفهوم الموافقة مساوياً لا أولى، أما دليل الخطاب فهو معنى الكلام المصرح به، ولا يصح ما قيل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لو علم الله شيئا أولى من الأف لنهى عنه، لأنه تعالى علم وأعلمنا أنه وجد أدنى من الأف، ولم يذكرها، وهى لا تجوز مثل أن يقول لهما على وجه الضجر: ما هذا، ولكن مثل لنا بالأف الإحسان إلى الوالدين واجب قبل كبَرهما، وفيه، وتحريم التأفيف كذلك، وكذا نهرهما، والقول الكريم ونحو ذلك، ولكن ذكر الكبر لكونه محل تهاون الولد بهما، والضجر، وأُف اسم للفعل المضارع التكلمى وهو أضجر أو أتضجر أى أصابنى الملل منكما لشدة مؤنتكما على، أو خدمتكما، أو رائحتكم المتنة.
وقيل: أُف خسراناً أو قبحاً أو نتناً، فيكون اسم فعل ماض للخطاب أى خسرتما أو قبحتما، أو أنتنتما، أو أشبهتما وسخ الظفر، أو ما يسقط من السقف، وقيل: اسم صوت من أصوات الفم يصوت به الإنسان عند الضجر لا اسم فعل ولا ضمير فيه، وإنما هو بالطبع ولا وضع فيه.
{ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } لا تغلظ الصوت عليهما فيما تكرهه منهما ولا فى مصلحتهما، وليس من ذلك رفع الصوت ليسمعا إذا ثقل سمعهما، قيل: المراد المنع من إظهار المخالفة فى القول على سبيل الرد والتكذيب لهما، ولذا روعى هذا الترتيب وإلا فالمنع من التأفيف، يدل على المنع من النهر بطريق الأولى، فيكون ذكره بعده عبثاً.
قلت: بل النهر يكون أيضاً بلا ردّ لقولهما، ولا مخالفة، وليس المنع من التأفيف يدل على منع النهر بالأولى، بل قد يتساويان، وقد يكون النهر دون التأفيف.
{ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } لا تكتف بترك التأفيف والنهر، أو قل بدلهما قولا كريماً، أى جميلا ليِّناً كقول العبد المذنب للسيد الفظ: وكلبَّيكما وسعديكما، إذا نادياه، ولا تعاشرهما بسوء خلق، ومن ذلك أن يتكلم مع غيره بحضرتهما، ولا يكترث بهما سمعاً، أو لم يسمعا أو يتفاوضا فى أمر مفرح ولا يشركهما فيه، والضابط أن يجتنب ما يكرهان، ويستقصى النظر فيما يحبان، فيفعله. وقولا باق على المصدرية مفعول مطلق، أو بمعنى مفعول فهو مفعول به.