خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
٣٦
-الإسراء

تيسير التفسير

{ وَلاَ تَقْفُ } يا من يصلح للخطاب { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } لا تتبع ما ليس لك علم به، من فعل أو قول أو اعتقاد، تعيماً وظنًّا أو بهتاً لا تشرك نوع إِشراك ما، ولا تشهد بالزور، ولا تقذف، ولا تكذب، وهكذا على العموم ولا تقل: رأيت ولم تَرَ، أو سمعت ولم تسمع، أو علمت ولم تعلم، ولا ترم أحدا بما لم توقن أنه فيه، ولا تحكم عليه بما ظننت، ولا يتجسس، لا تَبْنِ حكماً أو معاملة على شئ من ذلك، فخرج الظن فإِنه جائز بلا عمل به، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ظننت فلا تحقق" ويظن الخير فى عامل الخير، والشر فى عامل الشر إلا الزنى أو الإشراك، فلا يجوز ظنهما فى عامل الشر، إلا لمن رأى أمارتهما.
وأباحت الآية حكم المجهد بالقياس أو نحوه، لأن ما أداه إليه اجتهاده علم ولو كان ظنيًّا، لأن العلم فى الأمور الشرعيات، ودخل فيها الحكم بين الناس وسائر التحليل والتحريم، ليس بمعنى اليقين. ألا ترى أن المجتهد يخطئ ويصيب، ولا يعاقب على خطئه. ألا ترى أنا نحكم بشهادة الأمناء، وشهادة من يدعى الإسلام، ولم نر فيه كبيرة، وبشهادة العامة بدون أن نراها فيهم، وذلك كله ظن لا يقين. ألا ترى قوله تعالى:
" { فامتحنوهن } " [الممتحنة: 10] وكفى الاختبار " { الله أعلم بإيمانهن } " [الممتحنة: 10] وإن الله رد الأمر إلى الظاهر حتى سمى من لم يأت بشهادة الزنى كاذباً ولو كان صادقاً عند الله، ولو شهدوا بزور، ولم نعلم بهم حكمنا بهم، ومن ذلك حل ذبائح والنكاح ونحو ذلك، مما يشترط فيه التوحيد، مع أنا لا ندرى ما الباطن.
وكثر اجتهاد الصحابة وقياسهم، وأمر صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضى الله عنه أن يعمل باجتهاده وقياسه فيما لم يحفظ فيه عنه شيئاً حين أرسله إلى اليمن. قال ابن عباس رضى الله عنه: لا تشهد إلا بما رأته عينك، وسمعته أذنك، ووعاه قلبك، وليس فى ذلك شئ من اليقين، قال صلى الله عليه وسلم:
"من قَفَا مؤمنًا بما ليس فيه حبسه الله فى ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج" بفتح الدال وسكونها، وبالغين المعجمة وهو عصارة أهل النار، والمخرج: أن يرجع عما قال قبل موته، وإن أراد الآخرة فالمعنى أنه لا مخرج له، والمراد بما ليس فيه بحسب الظاهر، ولو كان فيه عند الله.
{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } كل من الثلاثة مسئول عن نفسه، فالإشارة والهاء والمستتر فى كان، ومسئولا للسمع والبصر والفؤاد، يسأل الله هذه الأعضاء عما فعل بها صاحبها، ولو كانت لا تجيب توبيخاً لصاحبها، أو يخلق الله فيهن عقلا ونطقا وتجيب، قال الله جل وعلا:
" { اليوم نختم على أفواههم } "[يس: 65] إلخ أو يقدر مضاف أى إن صاحب السمع إلخ، وضمير كان لصاحب، أو يقدر مضاف فى كان لا فى السمع، أى كان صاحبه أى صاحب كل أولئك، وها عنه لكل، وضمير مسئولا لصاحب لم سمعت ما لا يحل سماعه، ولم أبصرت ما لا يصح إبصاره، ولم عزمت بفؤاد، كما لا يحل العزم عليه، ويكتب على هذه الأمة العزم على المعصية، لأنها عملتها إن لم تعملها.
ويجوز عود ضمير كان للفقو المعلوم من قوله: { لا تقف } ويجوز أن يكون عنه نائب فاعل مسئولا، وقدم ولو كان نائب الفاعل لا يقدم لشبهه بالفضلة على أن مدخول الباء فى أفعل به من باب التعجب هو الفاعل، والفاعل لا يحذف، والمسئول عنه فى هذا الوجه صاحب الجوارح، ونقل أبو جعفر النحاس الإجماع على أنه لا يجوز تقديم نائب الفاعل، ولو كان جاراً ومجروراً.
قال بعض: لا نسلم الإجماع، وفى شرح ألفية ابن معطى جواز تقديم النائب إذا كان جاراً ومجروراً مستدلا بهذه الآية، ومن خص هؤلاء بالعقلاء جعله فى الآية استعارة للأعضاء تشبيها لهم بهم.