خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً
٤٤
-الإسراء

تيسير التفسير

{ تُسبِّحُ لَهُ السَّماوَاتُ السَّبْعُ } تقول الأولى التى تلينا: سبحان ربى الأعلى.
والثانية: سبحانه وتعالى.
والثالثة: سبحانه وبحمده.
والرابعة: لا حول ولا قوة إلا به.
والخامسة: سبحان محيى الموتى، وهو على كل شئ قدير.
والسادسة: سبحان الملك القدوس.
والسابعة: سبحان الذى ملأ السموات السبع، والأرضين السبع عزة ووقاراً.
{ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَىْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } الحيوانات، ومنها الملائكة والإنس والجن والجمادات، كالمياه والشجر، فمن هؤلاء مَن يسبح بلسان حقيقى كالثقلين والملائكة، قيل: وكل ما له لسان، ومن هؤلاء من يسبِّح بلسان الحال، وهو ما لا لسان له، ونفس الأجسام مطلقا، كأجسام الملائكة والثقلين ولو الكفار منهما، وفى ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز، بخلاف ما إذا قلنا معنى التسبيح دلالة ما سوى الله على تنزهه عن صفات الخلق، إذ دلت بجوازها على وجوب وجود الله جل وعلا وقدمه، فيسبح بمعنى يدل على انتفاء صفات الخلق عن الله عز وجل، كاتخاذ الولد والشركة فى الملك.
أو ذلك من عموم المجاز، وهو أن يراد مطلق الدلالة فتشمل دلالة اللسان وغيرها، أو المراد بالتسبيح دلالة غير اللسان، والاستعارة تبعية مفردة، ويجوز أن تكون مركبة تمثيلية بأن شبه الدلالة على وجوب الله وتنزهه عن صفات النقص بالدلالة على ذلك بالنطق.
{ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } أيها الناس مطلقاً إلا بإخبار الله، وتنبيهه على أن وجودها مذعنة دلالة، وتستعملون عقولكم فتدركون، وهذا على الوجه الأخير من أن التسبيح دلالة، أو لا تفقهون أيها المشركون لإغفالكم النظر وهو أنسب بقوله:
" { ولا تجعل مع الله.. } "[الإسراء: 39] إلخ فإنه مسوق لردهم ونهبهم، وقد يقال لو كان المراد مطلق الدلالة لفهمها كل عاقل، وفيه أن الأكثر لا يستعملون عقولهم، وعلى التسبيح الحقيقى نقول: إذا أراد الله إسماع الحلق سمعوا، ونطقت الأشياء كما سمعوا تسبيح الحصى فى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى يد غيره، ولعل الجمادات لا نطق لها فى أصل خلقتها، وإذا أراد الله أنطق بعضها.
وعن أنس أنه حضر ثريد عنده صلى الله عليه وسلم فقال: إنه يسبح وأفقه تسبيحه وأدناه لآخر فسمع تسبيحه، وأدناه لآخر فسمعه فقال: ردوه، فقال رجل: يا رسول الله لو مر عليهم جيمعا قال:
"لو سكت عند رجل لقلتم أذنب الرجل" وأتى بماء قليل فوضع يده فيه ففار فتطهروا وشربوا، وهم يسمعون تسبيحه فى الإناء وأفواههم، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا ظهور دوابكم كراسى لتحدثكم فى الطرق والأسواق فربّ مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكراً"
وقالت ضفدع بحضرة داود عليه السلام: سبحانك وبحمدك، منتهى علمك يا رب، فقال الملك نزل والذى جعلنى نبيا لم أمدح الله بهذا، وصلى عند البحر، فخرجت ضفدع فقالت: إنى فى سبعين ألف ضفدع قائمة على رجل نسبح الله ونقدسه.
وعنه صلى الله عليه وسلم:
"إن الطير إذا أصبحت سبَّحت الله وسألته رزق يومها" وفى الحديث: "ما قطعت ورقة أو بعض من شجرة أو صِيدَ صيدٌ أو أصابه ضرب إلا حين لم يسبح" ويروى إلا بقلة التسبيح وجاء الأثر: أن الشئ يسبح ما دام على أصله، فإذا قطعت الورقة أو الثمرة أو سقطت، أو أخذت الخرزة أو ابتل التراب، أو اتسخ الثوب ترك التسبيح.
وزعم بعض أن الكلب والحمار لا يسبحان، وجاء إن كل شئ من الجماد والحيوان والمياه يسبح ينطق، وإذا شاء الله أسمعناه.
{ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا } كأنه قيل: لِمَ لَمْ يعجِّل بالعقاب لهؤلاء الكفار مع قولهم ذلك، فقال لأنه كان من شأنه أن لا يعجل بالعقاب فحلم عنهم.
{ غَفُورًا } لمن تاب منهم ومن غيرهم والخطاب لهم كما رأيت جواب سؤال، وذلك قول الجمهور، لأن ما قبله لهؤلاء، وقيل: الخطاب للمؤمنين لذكر الحلم والغفران، وفيه أنهما غير ممنوعين عن الكفار، والغفران مشروط بالتوبة.