خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
٦٠
-الإسراء

تيسير التفسير

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ } واذكر إِذ قلنا لك بالوحى، أو بواسطة جبريل عليه السلام.
{ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ } علماً وقدرة لا يخرجون عما أراد، ولا يعجزه شئ فبلِّغهم ما أوحى إليك، ولا تخف؛ إن الله يعصمك من القتل، ولو كانوا يؤذونك بألسنتهم، والناس عام دخل فيه قريش، أو أريد به خاص، لأنهم المعاندون جدا الحاضرون أو أحاط بقريش أهلكهم يوم بدر، أى سيهلكهم يوم بدر، والآية مكية، وذكر ذلك بالماضى لتحقيق الوقوع بعد، كأنه وقع من قولك أحاط بهم العدو، وكقوله تعالى:
" { وأحيط بثمره } " [الكهف: 42] وهذا تبشير له صلى الله عليه وسلم.
{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ } فى المنام، احتج بهذا مَن قال الإسراء فى المنام، لا فى اليقظة، وهو مذهب أصحابنا، وقوم من غيرهم، وقيل: اليقظة لمبالغة الكفار فى التكذيب، ولو كان فى النوم لم يبالغوا تلك المبالغة، وإطلاق الرؤيا على رؤية اليقظة وارد فى لغة العرب قال الراعى:

وكبر للرؤيا وهش فؤاده بوبش عظيم كان جمائلا

وأيضا سماها رؤيا مشاكلة لتسميتهم إياها رؤيا وجرياناً على زعمهم كما سمى الأصنام آلهة، وأيضاً يشبه ما فى المنام لكونه ليلا، وللسرعة، وخرق العادة حتى قال بعض مَن ضعف إيمانه للنبى صلى الله عليه وسلم: لعل ذلك يا رسول الله فى النوم، وحتى ارتد بعض من ضعف إِيمانه.
وقال بعض من قال الإسراء فى اليقظة أن الرؤيا هنا غير رؤية الإسراء، بل رؤياه فى المنام عام الحديبية دخل مكة، واعترض بأن الآية مكية والحديبية بعد الهجرة، وأجيب بأنه رأى فى مكة أنه سيدخلها بعد الخروج عنها، فحكى الرؤيا فى الحديبية، ولم يدخلوها للعمرة التى قصدوها، بل رجعوا على أن يدخلوها من قابل، فافتتن بعض حتى قال عمر لأبى بكر رضى الله عنهما: قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ندخل البيت ونطوف به، فقال أبو بكر: لم يقل ندخله فى هذا العام وسندخل فى عام آخر، ودخله من قال، ونزل:
" { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } "[الفتح: 27] وقيل: هذه الرؤيا التى فى سورة الإسراء رآها فى مكة فى شأن وقعة بدر أنها تقع بعد الهجرة، وسمع قريش ذلك فسخروا منه.
ويجوز أن يكون رأى فى المنام مصارع المشركين، وهو فى بدر أو قريب منه، فسمع المشركون الخارجون من مكة للقتال، فسخروا منه، قال:
"والله لكأنى أنظر إلى مصارع المشركين، هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان" ولم يخطئ. وفى وقعة بدر نزل: " { إذ يريكهم الله فى منامك قليلاً } " [الأنفال: 43] وقيل: هذه الرؤيا فى سورة الإسراء، هى أنه رأى فى نومه قومًا من بنى أمية يرقون على منبره وينزون عليه نزو القردة فقال: "هو حظهم فى الدنيا يعطونه على إسلامهم" { إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ } هى تكذيبهم بالإسراء، حتى ارتد كثير من الناس أو قولهم: وُعدنا بالدخول ولم ندخل، وهذا فى شأن الحديبية، وتساخرهم بقوله: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، وهذا فى شأن قتلى الكفار فى بدر، وقتال معاوية عليًّا، وقتل الحسين وعمار، ووقعة الحرة، وهذا فى غزو بنى أمية على المنبر فى الرؤيا.
{ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ } عطف على الرؤيا، أى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك، والشجرة الملعونة فى القرآن إِلا فتنة للناس، وهى شجرة الزقوم، لعنت فى قوله تعالى:
" { إِنَّ شجرت الزقوم طعام الأثيم } "[الدخان: 43 - 44] إِلخ فلعنها إبعادها عن مقام الخير وأهله، وإنباتها فى مقام الشر لأهله.
ويجوز أن يراد الملعون أهلها، فحذف المضاف أو ذاك من المجاز العقلى، وتقول العرب لكل طعام مكروه ضار: إِنه ملعون لكونه ضارًّا مكروهًا، فيكون المراد بلعنها أنها طعام مكروه، ووصفت بالملعونة لتشبيه طلعها برءوس الشياطين، والشياطين ملعونون.
ومعنى الفتن بها أنه لما سمع الكفار ذلك قالوا: إن محمداً يزعم أن الحجيم تحرق الحجارة، ثم يقول ينبت فيها الشجر، وما نعرف الزقوم إِلا التمر بالزبد، قال أبو جهل - لعنه الله -: يا جارية زقمينا، فأحضرتهما، فقال لأصحابه: تزقموا هذا هو ما يذكر محمد، ولم يعلموا أن الله قادر على ذلك، وأن الله أبرد النار على إبراهيم ولباسه إلاكتافة، وأنبت النبات فى تنور موسى المحمى، وفى بلاد الترك دابة صغيرة تسمى السمندل لا تؤثر فيها النار حية أو ميتة، ويتخذ من وبرها مناديل، فإذا اتسخت ألقيت فى النار فيذهب الوسخ فتبقى سالمة. ويقال: فى بلاد الهند مكان بلاد الترك، ويقال: طائر مكان دابة، ويقال: السمندر بالراء مكان اللام، والنعامة تبلغ الجمر وقطع الحديد المحماة ولا تضرها، ولم يعلموا أن نبات النار من جنس النار، والنار لا تحرق النار.
ومما يشبه ذلك أن البحر المالح ينبت حجارة المرجان، واللحم والدم ينبتان الشعر، وقيل: الشجرة الملعونة الشيطان، وأبو جهل فرعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحَكم وأبوه أبو العاصى الحَكم، قالت عائشة رضى الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمروان: "الشجرة الملعونة أبوك وجدُّك" فهؤلاء لعنوا فى عموم ذم الكفار فى القرآن. وعن ابن عباس: أن الشجرة بنو أمية بن الحَكم بن أبى العاصى، وأنه صلى الله عليه وسلم رأى فى المنام بنى مروان يتداولون مقبره، وقصها على أبى بكر وعمر فى خلوة بيت، ثم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحَكم يخبر بها، فاشتد عليه ذلك واتهم عمر بالإفشاء، ثم ظهر أن الحَكم تسمَّع إليهم، واعترض بأن الرؤيا بالمدينة، والسورة مكية والحكم فيها.
وروى أن عائشة قالت لمروان: لعن الله أباك وأنت فى صلبه فأنت أبغض مَن لعنه الله، والفتنة على هذا أنهم طلبوا معجزة قاهرة، فأجيبوا بأنه تعالى لم يقضها لهم ليتم أمر النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلا يستأصلوا فقالوا: إنه صلى الله عليه وسلم غير صادق، فضاق قلبه وسلاّه بالآية، وأنه لا يضعف أمرك بقولهم.
{ وَنُخَوِّفُهُمْ } من عقاب الله فى الدنيا والآخرة بالآيات المتلوَّات، والمعجزات، والآيات متضمنة لشجرة الزقوم، ولم يقل: وخوفناهم لإفادة التكرار.
{ فَمَا يَزِيدُهُمْ } أى التخويف { إِلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا } طغيانًا مجاوزاً للحد.