خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
٧٦
-الإسراء

تيسير التفسير

{ وَإِنْ كَادُوا } أى أهل مكة كما دل عليه قوله عز وجل: { لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ } أرض مكة بمعاداتهم.
{ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا } فإن الإزعاج من الأرض، وإخراجه إنما يتصور عن أرض هو فيها، وما هو صلى الله عليه وسلم إلا فى مكة مع أهلها، والاستفزاز الإزعاج وهو غير الإخراج، بل آلة له، والمراد تأثير الإزعاج، فإنهم أزعجوه ولم يؤثر إِزعاجهم فيه، بل كاد يؤثر، أو أراد بالإزعاج ما هو فوق ما صدر منهم من الدعاء إلى الخروج، مثل إساة القول وسوء العشرة، وعزلهم فى شِعب بنى هاشم لا يطعمون ولا يسقون، ولا ينكح لأحدهم و لا منهم بعد نزول الآية، وصار سبباً لهجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
وفى رد الضمير إلى قريش تفكك الضمائر، لأن الضمائر قيل لثقيف، ولا بأس فى ذلك لوجود القرينة، وإن رددنا الضمائر قيل فى
" { وإن كادوا ليفتنونك } "[الإسراء: 73] إِلى قريش فلا تفكيك.
{ وَإِذًا } أى وعلى وقوع الإزعاج لو وقع { لاَ يَلْبثُونَ } يقيمون { خِلاَفَكَ } بعدك، استعمل للزمان، وأصله المكان، وأصله خلف استفزازك، وأوضح من ذلك أن تقول خلف ما يلى الشئ من زمان أو مكان، فالمعنى خلف زمان استفزازك، كما تقول وقت كذا قبل وقت كذا أو بعده، فذلك حقيقة فى الزمان والمكان.
{ إِلاّ قَلِيلاً } لينًا قليلا، أو زمانًا قليلا، لكن لم يقع فما أثر فيه استفزازهم، فما أخرجوه فى هذه القصة، بل خرج وحده فلم يعجل إِهلاكهم، بل تأخر إِلى بدر، ولو فعلوا لهلكوا فى حينهم، لما يشأ الله.
ويجوز أن يكون فى ذلك أمران:
الأول: أنهم كادوا يستفزونه، ويخرجونه، ولم يكن وذلك فى قوله: "وإن كادوا ليستفزونك" إِلخ.
والثانى: أنهم استفزوه، وأخرجوه بمعنى أنهم شددوا العداوة حتى كانت سببًا لخروجه، فخرج فكأَنهم أَخرجوه كما قال:
" { من قريتك التى أخرجتك } " [محمد: 13] وذلك فى قوله: { وإِذًا لا يلبثون خلافك إلاَّ قليلاً } أى استفزوه وأخرجوه، فلا يلبثون إِلا قليلا فعد ما بين استفزازهم وإِخراجهم، وبين قتلهم ببدر قليلا، وهو سنة تقريباً، ويقال: ثمانية أشهر أى قربوا أن يجبروك على الخروج، ولو فعلوا لماتوا جميعاً، لكن لم يفعلوا فلم يهلكوا إذ قضى سبحانه أن يؤمن بعضهم وتخرج منه ذرية.
وقيل نزلت فى اليهود حسدوه صلى الله عليه وسلم على إقامته بالمدينة، فقالوا: الحق بمقام الأنبياء الشام الأرض المقدسة بعد إبراهيم إن كنت نبيًّا فيؤمن بك، فإن خفت الروم منعهم الله عنك، وما يترتب من مدن الأنبياء، فقيل: خرج مرحلة أو ثلاثة أميال إلى ذى الحليفة روايات، وانتظر أصحابه فنزلت الآية، فرجع وقتل عن قريب قريظة، وأجلى النضير.
وأرى هذا باطلا حاشاه أن يخرج من المدينة مع عزته وعزة أصحابه فيها، ودين الله لقول اليهود دون انتظار أمر الله عز وجل، وليس ذو الحليفة طريقًا إلى الشام، وزعم بعض أنه غزا تبوك مريداً للشام، ولما بلغ تبوك نزل: { وإن كادوا ليستفزونك } إلخ وأمر بالرجوع إلى المدينة ففيها محياك ومماتك، ومنها تُبعث، والأرض فى هذا القول أرض المدينة.
وقيل: اهتم المشركون كلهم أن يخرجوه من أرض العرب، فالأرض أرض العرب، وقيل: إخراجه من الأرض قتله أى أجمعوا عليه فى دار الندوة، فيتبادران الأرض الدنيا.