خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً
٦٠
-الكهف

تيسير التفسير

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى } هو ابن عمران، ولعن ابن عباس فوفا البكالى إِذ قال: إِنه غيره كما فى البخارى ومسلم والترمذى والنسائى، وكذا زعم بعض المحدثين والمؤرخين أنه موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب. وقيل: موسى بن أفرائيم ابن يوسف، وكذا قال اليهود، أنكروا أن يأخذ عن نبى وأن يكون الخضر أعلم من موسى بن عمران، وأن يكون خرج من التيه.
قلت: لا مانع من تعلّم نبى من نبى، ومن تعلّم نبى ممن هو دونه، كما قيل: إِن الخضر ليس نبيا، وأنه لا مانع من خروجه، ثم رجوعه إلى التيه، وأنه لا مانع من التقائه مع الخضر قبل التيه، وقد يخرج من التيه ولا يخبرهم أو يقول لهم: أخرج إلى عبادة وأرجع، وإذ عطف على إذ الأولى، فاذكر المقدر هنالك مسلط عليه، كأنه قيل: واذكر إذ قال موسى لِفَتَاهُ هو يوشع ابن نون بن أفرائيم بن يوسف، فإنه كان يخدمه ويتبعه، فسماه فتاه، وهذا هو المشهور.
والعرب تسمى الخادم فتى، لأن الخدم أكثر ما تكون فى سن الفتوة، وقيل: هو ابن أخت موسى، وقيل: هو أخو يوشع، وأنكر اليهود أن يكون له أخ، وقيل: فتاه عبده، قال صلى الله عليه وسلم:
"ليقل أحدكم فتاى وفتاتى ولا يقل عبدى وأمتى" وهذا خلاف الأولى، لا محرم ولا مكروه، وقيل: القول بأنه عبده، قول باطل، اذكر يا محمد لهؤلاء المتكبرين على الفقراء الذين آمنوا قصة موسى وتواضعه للخضر فى تعلمه منه، وفيها تلويح بمدح المؤمنين على تواضعهم للنبى صلى الله عليه وسلم، وتقريع لأهل الكتاب والمشركين على عدم التعلّم من النبى صلى الله عليه وسلم، كما ارتحل موسى إلى التعلم.
{ لاَ أَبْرَحُ } لا أزال، والخبر محذوف تقديره لا أبرح سائراً أو لا أبرح أسيراً، ولا خبر له بمعنى لا أنتقل عن السير والطلب أى لا أتركهما، ويدل على تقدير السير الحال، وهى أنه فى السفر واللفظ وهو قوله:
{ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } ولا مانع من حذف باب كان لدليل، مثل أن يقال مَن كان بوابًا فتقول: كان عمرو أى كان عمرو بوابًا ومجمع البحرين هو الموعود له من الله عز وجل، بحر الروم الجارى على الجزائر وأعمالها، وأندلس والبحر المحيط وعليه سبتة، ومجمعها ما بين سبتة وطنجة من البحر، إِذ فتح ذو القرنين إِلى ذلك الموضع، وكان عبر البحر المحيط، أو فتحه إلى المحيط، فاتصل البحران، ودع عنك التفسير ببحر الروم، وبحر فارس الذى فى المشرق، وكما روى عن مجاهد وقتادة، وعليه فما معنى التقائهما، وأين يلتقيان فيتكلف له أنهما فى موضع يقرب التقاؤهما، وإلا فلا يلتقيان إِلا فى المحيط بخلاف ما بين طنجة وسبتة، فإنه كان برا، فاشتكى أهل أندلس من أهل السوس فحجز بينهما ذو القرنين بخلط البحرين.
وبهذا قال محمد بن كعب القرظى، وقيل: بحر ملح، وبحر عذب، وملتقاهما فى الجزيرة الخضراء فى الأندلس قلت: نعرف بحراً عذبًا فى ذلك إِلا أن يراد به نهر عظيم جار، فلا بأس وقيل: الكر والرس بأَرمينية، وقيل: بحر القلزم، وبحر الأزرق، وقيل: بأَفريقية.
قلت: لا نعرف هذا إِلا إن أراد ما يشمل طنجة، أو ما يشمل الإسكندرية فالنيل ينصب فى البحر الملح، وهذا المجمع جار أيضاً على أندلس لأن جزيرة أندلس طويلة مما يلى سبتة من تلك العدوة إِلى مرسية، والذى يليها جبل طارق من تلك العدوة، وسبتة من عدوتنا هذه، وبقى مسيرة ثلاثة أيام أو خمسة، لم يغلقه الماء، يخرج منها إلى البر الكبير، وهو بر وراء بحر الجزائر هذا، وفى عدوته من تلك الجهة باريز، ويقال: بربش وهو الأصل، وحرف ودع عنك لمخالفة الظاهر تفسير البحرين بموسى والخضر، ولو كان كالبحر فى علم الباطن، وموسى كالبحر فى علم الظاهر.
{ أَوْ أَمْضِىَ } أسير { حُقُبًا } مفرد لا جمع له دهراً طويلا، أو ثمانين سنة أو سبعين أو سنة، ولم أبلغه وأيست فأرجع أو عجزت، ولا بد من هذا التقدير أو نحوه، على أن العطف على أبلغ.
ويجوز أن تكون أو بمعنى إلا أو إلى أى ليكونن منى بلوغ مجمع البحرين، أو أمضى حقبا فى سيرى أعجز بها أو آيس، ومعنى كون أو بمعنى إِلى أى أزال أسير حتى أبلغ المجمع، أو إِلى أن يحصل لى زمان أعجز عن السير فيه، خطب موسى عليه السلام فى مصر بعد غرق فرعون خطبة عجيبة مشتملة على علوم كثيرة، وأعجب بها فقيل له: هل تعلم أحداً أعلم منك، قال: لا. فأَوحى الله عز وجل إليه: عبدى الخضر أعلم منك، وهو بمجمع البحرين، ومعنى كون الخضر أعلم من موسى أن الله عز وجل أعطاه ما لم يعط موسى من الغيوب، فهو أعلم من موسى بالباطن، وموسى أعلم منه بالظاهر.
أو لما كان أصل العلم إِدراك ما غاب أطلق أنه أعلم منه، ولموسى طرف من الباطن، وللخضر طرف من الظاهر، بل ورد التفضيل باعتباريْن، لو لم يشترك الطرفان نحو الخل فى حموضته أشد من العسل فى حلاوته، وما يلزم فى الرسول أن يكون أعلم أمته فى أمر الشرع، والخضر من أمته، وهو أعلم منه فيه، قيل: هو نبى مستقل، وقيل: غير نبى؛ وهل هو إسرائيلى قولان.
وقيل: سأل ربه أىُّ عبادك أحب إليك؟ قال: الذى يذكرنى ولا ينسانى، قال: فأىُّ عبادك أقضى؟ قال: الذى يقضى بالحق، ولا يتبع الهوى، قال: فأىُّ عبادك أعلم؟ قال: الذى يبتغى علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تدله إلى هدى، أو ترده عن ردًى، قال: إن كان فى عبادك أعلم منى فادللنى عليه؟ قال: أعلم منك الخضر، قال: أين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة، قال: كيف لى به؟ قال: تأخذ حوتًا مملحاً مشوبًا فى مكتل، فحيث فقدته تجده، فقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فأخبرنى، ولا أكلفك سوى هذا، قال: ما كلفتنى كثيراً.
فذهبا يمشيان حتى بلغا مجمع بينهما، فرقد موسى للعياء، فاضطرب الحوت وهو مشوى عند الصخرة، فاضطرب إلى البحر، ويقال: توضأ يوشع فى ذلك المكان من عين تسمى ماء الحياة، لا يصيب ماؤها شيئًا إلا حيى، فأَصاب الماء الحوت فحيى، فاضطرب إلى البحر من المكتل.
وقيل: انفجرت هناك عين من الجنة، وصلته قطرات فحيى ووثب إلى البحر، وكان الخضر فى أيام أفريدون، وكان على مقدمة ذى القرنين الأكبر، وبقى إِلى أيام موسى ويحيى إِلى أن يرفع القرآن والكعبة، وهو نبى على الصحيح غير رسول، وعليه الجمهور.
وقيل: ولىّ، وقيل: رسول، وهو من ولد سام بن نوح، لقى إبراهيم عليه السلام، وطاف الدنيا والخضر على مقدمته، وسد على يأجوج ومأجوج، وبنى الإسكندرية.
وأما ذو القرنين الأصغر، فهو الإسكندر بن فيلبوس اليونانى، الذى قتل دارى وسلب مُلكه، وتزوَّج بنته، واجتمع له مُلك الروم وفارس، وطاف الدنيا، وبلغ الظلمات، وبلغ المغرب، كما ذكر الله عز وجل بعد، والمشرق وأقصى الشمال، لأن فيه السدود، وفى داخله الروم.
لما مات أبوه فيلبوس جمع ملك الروم بعد أن كانوا طغاة، ثم جميع ملوك الغرب وقهرهم، وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم عاد إلى مصر، وبنى الإسكندرية وسماها باسم نفسه، وهو إسكندر كان الناس ينسبونها إِليه، وتركوا كونه اسمًا لها، ثم دخل الشام، وقصد بنى إسرائيل، وورد بيت المقدس، وذبح فى مذابحهم، وانعطف إلى أرمينية، وباب الأبواب، ودان له أَهل العراق والبربر والقبط، وتوجه إلى دار ابن دارى وهزمه مراراً حتى قتله صاحب حرسه، فاستولى الإسكندر على ممالك الفرس، وقصد إلى اليمن والهند، وغزا الأمم البعيدة، ورجع إلى خراسان، وبنى مدائن كثيرة، ورجع إلى العراق، ومرض فى شهر زور، ومات فيها، وكان تلميذاً لأرسطاطاليس الكافر بعد أن أسلم على يد الخضر.