خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً
٧٤
-الكهف

تيسير التفسير

{ فَانْطَلَقَا } فقبل عذره وخرجا من السفينة، فانطلقا يمشون على الساحل، وهنا يبعد أن يكون البحر بحر طنجة، لأنهما إذا جاوزاه عرضا وقعا فى أرض أندلس، فلا تكون القرية تلمسان أو مثلها من مغربنا هذا، ولا الجدار فيها، أو فى مثلها فى هذه الأرض إِلا بأن يرجعا فى سفينة إلى هذه الأرض، وهو غير مذكور فى الكتب، وبعيد، فيكون الغلام والقرية فى غير هذه الأرض، بل فى أندلس أو بعدها.
ولكن هذا أيضاً بعيد، لأنه من خرج من مضيق أندلس يدخل البر الكبير، هو بر الأمم الكبيرة من العجم، وأصحاب اللغات المختلفة، ولا يجد مسلكا إلى بر الشام، لأن البحر يعارضه، إلا أن يكون بحر الشام غير موصول بآخر يومئذ، فيبعد الأمر جدا فيمشى من وراء القسطنطينية الكبرى، وهى وراء بحرنا هذا، فى البر الكبير إلى أن يصل إلى أعلى بحر الشام، فيدخل الشام، ثم وصل بحر الشام، فنختار بحر طنجة، ونقول سارت السفينة على طوله من ساحل فى عدوتها إلى ساحل آخر فيها، لا على عرضه فلا يدخلان أندلس.
{ حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا } مع عشرة غلمان يلعبون وهو أحسنهم وأنظفهم، اسمه كما قال البخارى جيسور بالجيم، وروى بالحاء المهملة أو جنيتور، غير بالغ عند الجمهور، لقول موسى نفسًا زاكية، وقيل: بالغ سنّه عشرين سنة كما أخرجه ابن أبى حاتم عن سعيد بن عبد العزيز، الشاب يسمى غلامًا، ولو كان ابن عشرين، بل قيل: أصله بعد البلوغ، لأنه من الغلمة، وهو شدة اشتهاء الجمع، وذلك يتم بعد البلوغ، فيكون تسمية مَن لم يبلغ غلاماً مجازاً لعلاقة الأول بمعنى أنه يقود إلى ذلك الاشتهاء إن شاء الله عز وجل إن حيى، ومبدأ الاشتهاء عند المراهقة، ومَن قال: بالغًا قال: إن زكاته أنه برئ من نفس يقتل بها.
{ فَقَتَلَهُ } بأن قلع رأسه بيده من أعلاه، أو أَضجعه فذبحه، أو ضرب رأسه بالجدار، أو رضه بحجر، أو ضربه برجله، أو أدخل أصبعه فى سًرته فاقتلعها، ومات فى ذلك كله، ويبعد الجمع بأنه فعل ذلك كله، لأنه زيادة تعذيب، أو إحداث بالميت إلا أن يقال فعل ذلك تعجيلا عن تعذيبه فى الموت.
{ قَالَ } له موسى { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً } عن الذنوب إذ لم تبلغ كما فسر ابن عباس رضى الله عنهما، الزكاة بصغر السن تفسيراً باللازم، أو لم تحدث موجب قتل، واستدل بعض على بلوغه بقوله تعالى: { بِغَيْرِ نَفْسٍ } لأن الطفل لا يقتل بمن قتل، بل الدية على عاقلته، وإِن أمر فعلى آمره، وأجاب الجمهور بأن المراد غير نفس توجب القصاص، والصبى كذلك، لا نفس توجب قتله بقتلها، وإِنما ذكر القصاص، لأنه أنسب بالمقام.
أو أن شرعهم قتل الصبى القاتل، ولا سيما إن كان مراهقًا، وقد اختلف أصحابنا فى أحكام المراهق: المختار أنها أحكام الصبى، وذكر البيهقى أنه كان فى شرعنا قتل الصبى القاتل قبل الهجرة.
وقال السبكى: قبل أحد ثم نسخ، وهكذا كما قيل: إن التكليف كان بالتمييز، ثم نسخ بالاحتلام، كما قال صلى الله عليه وسلم لعلىّ وهو ابن ثمانى سنين: أسلم فقيل تكليفًا بالتمييز، أو أمر باعتقاد الإسلام والعمل به.
{ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا } تنكره العقول والشرع، وهو أشد من خرق السفينة، لأنه قتل حاضر باشره، وخرق السفينة تحتمل معه السلامة ولم يباشر فيه قتلا، وزعم بعض أن الإمر بكسر الهمزة أشد من النكر، فلعل وجهه أَن قتل نفوس كثيرة بالإغراق أشد من قتل واحدة، اعتبر المآل، ولو احتمل السلامة، وفى هذا القول تنزل من الأقوى وهو الأمر إلى القوى وهو النكر، ثم الضعيف وهو ترك الأجرة، والتنزل غير لازم، بل الآية على ترتيب الوجود لا تنزل فيه، ولا ترقى.
ومما زاد موسى شدة الإنكار أن الخضر لما رأى الغلام قتله ولم يمهله، ولو مضت مدة لاحتمل له موسى أنه رأى منه الخضر ما لم يره هو.