خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً
٤
-مريم

تيسير التفسير

ومما يناسب الخفاء حذف حرف النداء فى قوله: { قالَ رَبّ } وهذا جملة مستأنفة جواب لقائِل ما نداءه الخفى، أَو مفسرة لنادى ربه نداء خفياً { إِنى وَهَنَ } ضعف { الْعَظْمُ مِنِّى } أَفرد لإرادة الجنس، فشمل عظامه كلها، لأن كل فرد منها يصدق عليه أَنه عظم، والعظم دعائم البدن، فإِذا ضعف ضعف البدن، فيجوز أَن يجوز ضعفه كناية عن ضعف البدن، وعن قتادة: العظم السن، ووهنها سقوطها، ولا دليل له على هذا التخصيص، ولو كان له وجه، وهو أَن ذلك من شأن كبار السن، وأن من شأنه ضعف البدن لانتفاء أكله ما يؤكل بالأسنان، وأيضا سقوط الأسنان ليس وهن لها، بل انتفاؤها من الفم، ولو كان سقوطها لسبب الوهن، ولم يقل: ومن عظمى، مع أنه أقل حروفا لعدم التفصيل بعد الاجمال فيه، بخلاف ما إِذا قال وهن العظم، وقال بعده: "منى" بالتفصيل، ولأن العظم أدل على الجنسية من عظمى، ولا يخفى ما فى كمال الرغبة إِذ نادى المنعم عليه المربى، وأدخل أن وقال منى، ونسب الوهن للعظم الموجب وهنه، وهن باقى البدن، وزاد بذكر الشيب، وما بهذه إلى رضيا.
{ وَاشْتَعَلَ الرأْسُ شَيْباً } تمييز محول عن الفاعل بمعنى انتشر شيب الرأس، ولا حاجة إلى دعوى أن شيباً مفعول مطلق، وإن اشتمل بمعنى شاب، شبه الشيب بشواظ النار لجامع عدم السواد فيها، وثبوت بعض بياض فيها، وشبه انتشاره فى الشعر باشتعالها لجامع التنقل، ففى اشتمل استعارة تصريحية تبعية، وفى الشيب مكنية، والتحقيق جواز انفكاك المكنية عن التخييلية، كما بينته فى شرحى على شرح عصام الدين، وبيان البيان، وفائدة بناء الكلام على التمييز إفادة العموم، إذ لو قيل: اشتعل شيب الرأس لم يعد العموم، مع أنه مراد، كما إِذا قلت: اشتعل البيت ناراً، أفاد العموم تصرحياً، وإذا قتل: اشتعل نار البيت لم يفده ولو أريد بالنية.
{ ولم أَكُن بدُعائك } بطلبى لك أن تفعل لى كذا { ربِّ شقياً } تعباً بلا فائدة فيما مضى من عمرى، فأحسن إلى بالولد، كما أحسنت إلى فى ما مضى بالإِجابة، ولا سيما أنى الآن أشد احتياجاً منى فيما مضى وهذا كما سأل سائل معاوية، أو معن بن زائدة، أو حاتما الطائى فقال: بم تتوسل إلىَّ؟ فقال: بإِعطائك إِياى وقت كذا، فقال مرحباً بمن توسل بنا إِلينا، فأعطاه وكما ذكر لفظى الربوبية المشعر بتقدم إنعام سابق وإفاضة ما فيه صلاح المربوب، مع الإِفاضة إلى المربوب، وذلك أولى من أن يكون المعنى لم أكن بدعائك إياى إلى الطاعة شقياً بتركها، أو مفسداً لها بالرياء، بل عبدتك مخلصاً، إِذ ليس فيه تصريح بالرغبة، ولو تضمنها بذكر موجب القرب، وهو الدعاء إلى الطاعة. وذكر الربوبية.
روى أن موسى عليه السلام قال: يا رب، فقال الله جل جلاله: لبيك يا موسى، فقال موسى: أهذا إلى خاصة؟ فقال الله تبارك وتعالى: لا، ولكن لكل من يدعونى بالربوبية، وروى أن العبد إذا قال: يا رب قال الله: لبيك يا عبدى.