خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً
٨٠
-مريم

تيسير التفسير

{ ونرثُه ما يقُول } نسلبه مضمون قوله، وهو نفس الولد والمال، لا باعتبارهما فى الآخرة، بل يفنى فى الدنيا ماله فيها منهما، وذلك استخدام لأن الذى فى كلامه ما يدعيه منهما أنه فى الآخرة، وما بدل اشتمال من الهاء، أو مفعول به آخر لنرث على أنه يتعدى لاثنين، ويقول للحال والماضى المستمر فى الموضعين.
{ ويأتِينَا } يوم القيامة { فرداً } عن ماله وولده اللذين له فى الدنيا، فضلا عن أن يؤتى فيه بمثلهما زيادة، أو بمثلهما فقط بخلاف المسلم وأطفاله، أو بلغه المطيعين فتقر عين المسلم بهم، ويزاد غلماناً فى الجنة، أو يأتينا فرداً ويبقى فرداً، أو حال مقدرة أى يأتينا ناوياً أن ينفرد لعلمه بالموت وما بعده أن لا يؤتى مالا ولا ولداً، وأما أن يلد المسلم فى الجنة فلا يكون، كما جاء من حديث لقيط الصحيح الطويل قلت: يا رسول الله أوَلنا فيها أزواج، أو منهن مصلحات؟ قال صلى الله عليه وسلم:
"المصلحات للمصلحين تلذذونهن ويلذذنكم مثل لذاتكم فى الدنيا غير أن لا توالد" .
وعن أبى ذر العقيلى، عن النبى صلى الله عليه وسلم: "أن أهل الجنة لا يكون لهم ولد" وقيل تكون الولادة فى الجنة لحديث الترمذى، وقال حسن غريب: "المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسنه فى ساعة واحدة، كما يشتهى" ولحديث أبى نعيم، عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيل: يا رسول الله أيولد لأهل الجنة؟ فإن الولد من تمام السرور فقال: "نعم والذى نفسى بيده وما هو إلا كقدر ما يتمنى أحدكم فيكون حمله ورضاعه وشبابه" .
قلت: الجواب أن المراد أنه يكون الولد فيها شاذاً، ولا يعتبر الشاذ، وإنما يعتبر لو شاع كما فى الدنيا، وأيضا هو مشروط بالاشتهاء والتمنى، فلا يلقى الله فى قلوبهم الاشتهاء والتمنى، فلا يولد لهم، أو يلقى قليلا شاذا.
وإذا هنا لمجرد التعليق كأنه قال: إذا اشتهى إن كان يشتهى وأيضا حديث أبى نعيم، عن أبى سعيد ضعيف كما قال البيهقى، وحديث الترمذى عنه غريب، لا يعرف إلا من رواية أبى الصديق الناجى، وقد اضطرب لفظه تارة يقول: إذا اشتهى الولد. وتارة إنه يشتهى الولد، وتارة إذا اشتهى الولد، وتارة إن الرجل من أهل الجنة ليولد له.
وقيل: يأتينا فرداً عن ذلك القول، بناء على أن المراد به فى الموضعين نفس القول لا مضمونه، فهو يبقى على التلفظ بقوله:
"لأوتين مالاً وولداً" وعلى اعتقاده، حتى يأتنيا بأن يموت فينفرد عنه وعن اعتقاده، وهو قول ضعيف، لأنه يقول ذلك استهزاء، وإنكاراً للبعث.
وقد يقال: يستمر على قوله واستهزائه الى أن يموت فرداً على ذلك الاستهزاء، وقد يقال ذلك مجاراة ومساوقة لكلام ذلك القائل، وقيل الإرث بمعنى الحفظ بحفظ قوله: لنضرب به وجهه فى الموقف، ويأتينا، ولا ينال المال والولد، كما يقال: العلماء ورثة الأنبياء، بمعنى يحفظون شرائعهم، ومن شأن ما ورث أن يحفظ لكن هذا الحفظ يعنى عنه قوله عز وجل:
{ سنكتب } [مريم: 79] ويحتمل أنه تمنى أن يعطى فى الدنيا مالا وولداً، حتى أقسم أن يعطاهما، فقال الله جل وعلا إنه يأتينا فرداً عنهما، ولو آتيناه، وهذا مع بعده ينافى ما تقرر أن سبب النزول أنه أقسم أن يؤتاهما فى الآخرة.