خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
١٨٤
-البقرة

تيسير التفسير

{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } متعلق بالصيام أى كتب عليكم الصيام فى أيام معدودات، أى كتب عليكم أن تصوموا فى أيام معدودات، ولا بأس بالفصل لقلته وظهور المعنى، وهو أولى من الحذف ومن كل ما هو خلاف الأصل، أو يقدر صوموا أياماً معدودات لدليل الصيام، وفيه السلامة من الفصل بلعلكم تتقون، وبأجنبى، وهو كما كتب، إلا أنهم يتوسعون فى الفصل بالظروف ومنها كما كتب سواء جعلناها مصدرية أو كافة، ووصفها معدودات تقليلا لها أى هى دون أربعين، على ما قيل من أن المعتاد إذا ذكر لفظ العدد فالمراد المعنى أياما مضبوطة بالعد، لا مجازفا بها، وكل من أيام أو معدودات جمع قلة، فلو شاء لقال أياما معدودة، وفى ذلك تسهيل، أو لعلكم تتقون المكاره والمعاصى والكسل فى أيام معدودات، أو يتعلق بضمير كتب الثانى لعوده للصيام عند الكوفيين، أى كما كتب على الذين من قبلكم أن يصوموا أياماً معدودات أو يكتب الأول أو الثانى لتضمنه معنى صوموا، أو المعنى كتب عليكم الصيامة كتابة شبيهة بكتابته على من قبلكم فى كونه فى أيام معدودات، وقيل الأيام المعدودات يوما عاشوراء، وثلاثة من كل شهر، ثم وجب رمضان دونهن، وقيل لم يفرض قبله صوم، وقيل فرض قبله عاشوراء، وقيل أيام البيض، ولا يقال لو أريد بهن رمضان لكان ذكر المريض والمسافر تكراراً، لأنا نقول وجب الصوم على التغيير بينه وبين الفدية، ثم وجب بلا تخيير فيه، على أن رخصة السفر والمرض باقية، وأيضاً المسافر والمريض ممن شهد الشهر { فَمَن كَانَ مِنْكُمْ } معشر البالغين العقلاء الداخل عليهم رمضان { مَرِيضاً } مرضاً يشق معه الصوم بعض مشقة، أو يضره أو يتأخر معه برؤه، أو يزيد به المرض، وذلك بالتجربة أو بإخبار الطبيب المسلم الحاذق، لقوله تعالى: " { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } " [البقرة: 185] فإذا كان الصوم يعسر مع مرض حل الإفطار، لا كما قيل عن ابن سيرين إنه أفطر لوجع أصبعه، ولا كما قال الشافعى لا يفطر حتى يجهده الجهد الذى لا يحتمل، وروى عن مالك أنه يفطر صاحب الرمد الشديد أو الصداع المضر وليس به مرض يضجعه إن شاء، واحتج من أباح الإفطار بالمرض ولو لم يعسر ولم تكن فيه مشقة بإطلاق الآية، وهو رواية عن الشافعى، وهو قول ابن سيرين، والحسن البصرى، وبأن السفر قد يخلو عن مشقة، وحل الإفطار فيه ولو بلا مشقة، لأنه سبب لهما، ويجاب بأن الرخصة لم تتعلق بنفس المرض، لتنوعه إلى ما يزاد بالصوم، وإلى ما يخفف به، لا يكون مرخصاً ألبتة، فجعل ما يزاد به مرخصاً بخلاف السفر، لأنه لا يعرى عن المشقة، فجعل نفسه عذارً { أَوْ عَلَى سَفَرٍ } ثابتاً أو راكباً على سفر ولو قصيراً، بعد مجاوزة الفرسخين مما استوطنه ولو لم يجاوز الحوزة على التحقيق، إن جاوزهما ليلا فبيت الإفطار من الليل، أو جاوزهما نهاراً، فإذا جاء الليل بيت الإفطار أو صام يوماً فى السفر، فإذا جاء الليل بيت الإفطار، وإن أفطر نهاراً قبل المجاوزة أو بعدها نهاراً. أو لو بلا تبيت فلا كفارة عليه، لشبهة السفر، ولشبهة أقوال العلماء فيه، حتى إن منهم من أجاز أن يفطر من بيته، وأما المريض فيبيت الإفطار من الليل، وإن أفطر بلا تبيت وخاف على نفسه، أو عضوه، أفطر بقدر ما يصل به الليل، وقيل أو بما شاء فيبيت نية الإفطار فى الليل المستقبل، وزعم بعض قومنا أن يفطر المريض بلا تبيت إفطار بخلاف المسافر، لقوله تعالى: { أو على سفر } وليس بشىء لقوله تعالى: " { ولا تبطلوا أعمالكم } " [محمد: 33] فليتم المريض يومه إن قدر على إتمامه كالمسافر، والمسافر متمكن على السفر فى أثناء اليوم كما تمكن عليه وقت طلوع الفجر، وإن كان السفر لمعصية لم يجز له الإفطار على الصحيح، وعليه الأكثر، ويجب الإفطار إن كان الصوم يضر المريض والمسافر، ولا مشقة، فالصوم أفضل عند بعض، والإفطار أفضل عند بعض، وأوجتبه الإمامية وأخطأوا { فَعِدَّةٌ } قدر ما أفطر بمعنى معدودجة كالطحن بمعنى المطحون { مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فعليه صوم عدة إن أفطر، أو يقدر فأفطر عقب قوله أو على سفر، وكذلك عليه عدة الشهر إن أفطره كله إن كان تسعة وعشرين قضى تسعة وعشرين فقط، ولو بدأ القضاء من أول شهر وكان فيه ثلاثون فلا تهم، فإنما عليه قضاء شهر رمضان الذى خوطب به، فإذا كان من تسعة وعشرين لم يزدد، والآية حجة لى، وذكر بعض أصحابنا وشهروه، وبعض قومنا أنه إن بدأ من أول الشهر أتمه زاد على رمضان أو نقص، وبضع إن نقص أتمه، ومن للبيان أو للتبعيض، أى عدة من جملة أيام مثل أَن يخص أَياماً من شهر كأوله ووسطه وآخره { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } إن أَفطروا فى غير سفر أَو يقدر هذا بعد قوله: { فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } أى فدية، هى طعام مساكين، والجمع باعتبار الجمع فى إفطاره، بأن أفطر ثلاثة أيام فصاعداً، ولو أفطر يوماً لكان فدية طعام مسكين بالإفراد، أو يومين لكان طعام مسكينين، يكال لكل مسكين مدان من بر، أو أربعة من غيره عند العراقيين، ومدا من بر عند الحجازيين، ويجوز ذلك من غالب قوت البلد، وأجيز مدان من شعير، ويجوز أن يأكل فى بطنه حتى يشبع، غداء، وعشاء، وأجيز أكلة واحدة حتى يشبع، وإن لم يفطروا فلا فدية عليهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، أو بقوله: شهر رمضان الذى أنزل الخ، أو بقوله: وأن تصوموا خير لكم، وذلك تدريج لهم لمشقته إذ لم يتعودوه ليتدبروا، والنسخ بعد العمل هنا، ولو كان الصحيح أنه يجوز قبل العمل أيضاً، وحكمته قبل العمل قبول المنسوخ والإذعان له قبل نسخه، فيثاب على ذلك وغيره مما قررته فى أصول الفقه، وعن ابن عباس كانوا يفطرون ويطعمون ولو أصبحوا على الصوم { فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً } عالج الطاعة بصوم أكثر من العدة التى أفطر فيها، أو بإطعام أكثر مما لزمه { فَهُوَ } أى الخير وهو صوم الزائد على العدة، أو على الطعام الواجب أو الضمير للتطوع { خَيْرٌ لَّهُ } أَفضل ثواباً أو فهو نفع له أخروى { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ } من الإطعام والإفطار، ولو مع زيادة على القدر الواجب فى الإطعام، أَو خير لكم من الإفطار والإطعام والزيادة فيه، وإن قدرنا لا يطيقونه لنحو كبر من العلل اللازمة، أو الذين كانوا يطيقونه ثم عجزوا لكبر ونحوه من العلل اللازمة مع ما فيها من التكلف فلا نسخ، وقدر بعضهم لا يطيقونه أو كانوا يطيقونه شاملا لكبر ونحوه، وحمل ورضاع، إلا أن الحامل أو المرضع تقضيان. لو أطعمتا، ولا إطعام على مريض يرجى برؤه، وأما قوله عز وجل { يطيقونه } على إبقائه بكانوا ولا بلا فغير شامل للحامل والمرضع، لأنهما ولو تطيقان لكن خافتا على الحمل ولرضيع متفطران وجوبا وتطعمان وتقضيان بخلاف الصحيح المطيق فإن إفطاره على التخيير بينه وبين الصوم ولا قضاء عليه، وذلك قبل النسخ، ومن عجز بعده عن الصوم لكبر أو علة لازمة أفطر وأطعم، وقيل لا إطعام عليه. قال بعض: على الحامل والمرضع القضاء والإطعام إن خافتا على الولد، وإن خافتا عليهما فقط أو عليهما وعلى الولد فالقضاء فقط، وقال أبو حنيفة لا إطعام على الحامل والمرضع لأنهما تقضيان بخلاف الكبير، وعن الحسن: أى مرض أشد من الحمل تفرط الحامل وتقضى ولا تطعم، خافت على نفسها أو ولدها أو عليهما، ويقال الصوم خير لمن تطوع به وهو مريض أو مسافر مع عدم شدة المشقة، وأما معهما فالإفطار خير، والمطبق بحسب الأصل اسم للقادر على الشىء مع شدة، فتشمل الآية الكبير بلا تقدير لا ولا تقدير كانوا { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يظهر لكم أنه خير، إن كنتم من أهل العلم، أو إن كنتم تعلمون ثوابه وحسن براءة الذمة اخترتموه، أو ما فعلوه.