خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٢٤٧
وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ
٢٤٨
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ } اسمه شاول بن قيس { مَلِكاً } كما طلبتم، أن أبعث لكم ملكا، وهذا القول مقدم نزولا ولو تأخر تلاوة، وطالوت عبرانى، ولو كان فعلوت من الطول بفتح العين لشدة طوله، وأصله طولوت بفتح الواو قلبت ألفا لتحركها بعد فتح لصرف، لانفراد العلمية، ولا يصح أنه منع الصرف لشبه العجمة، لأن رهبوتا ورغبوتا وحموتا وملكوتا ونحوهن يصرفن، ولا يصح أنه معدول عن الطوال أو الطويل إذ لا يعرف العدل عن ذلك، بل عن فاعل، ولا تعسف فى أنه عبرى وافق العربية فى معنى الطول، ممتنع للعجمة والعلمية كما صدرت به، وقيل: عربى منع الصرف للعلمية وشبه العجمة، إذ ليس ذلك من أوزان العربية الغالبة. كان جالوت ومن معه من العمالقة يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وظهروا على بنى إسرائيل وأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم، وضربوا الجزية عليهم وأبو العمالقة عمليق بكسر العين أو عملاق بكسرها، ابن لاود بن إرم بن سام ابن نوح، ولما دعا الله نبيهم أن يجعل لهم ملكا أمره ملك أن يقلب إناء الدهن الذى فى بيته على رأس طالوت فيكون كالإكليل على رأسه على استواء، فكان كذلك إمارة لما أخبروا من كونه ملكا أو أوحى إليه أنه إذا انتشى الدهن فى القرن لدخول رجل فهو ملك بنى إسرائيل، فادهن رأسه به وملكه عليهم، أو أتى بعصا طويلة من ساواها فهو الملك، فساواها ولا ضعف فى ذلك، لأن الله عز وجل أراد أن يبين الملك بالعلامة ليطمئنوا، ولو كان قول النبى كافياً، روى أنه ضل لطالوت دابة، فخرج يطلبها وقال له غلامه، ندخل على هذا النبى، لعله يرشدنا، فقال، نعم، فدخلا، فكان ما ذكر من العصا والدهن، ولا بأس بهما معا { قَالُواْ أَنَّىٰ } من أين { يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا } مع أنه فقير راع، أو سقاء أو دباغ، من أولاد بنيامين شقيق يوسف، ولم تكن النبوة ولا الملك فى أولاد بنيامين، والنبوة فى أولاد لاوى بن يعقوب، والملك فى أولاد يهوذا { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } لأنا من أولاد لاوى وأولاد يهوذا وليس هو منهم، لأن من كان من أهل النبوة، ولو كان من غير بيت الملك، أولى ممن ليس من أهل الملك ولا من أهل النبوة، ولأنه ضيق المال كما قالوا { وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ } وسعنا منه، فرد الله عليهم بأن المعتبر اصطفاء الله، وقد اصطفاه كما قال { قَالَ } نبيهم { إِنَّ اللهَ اصْطَٰفَهُ عَلَيْكُمْ } والله يعلم الصالح، وبأنه أعلم منكم جميعاً وأجمل، والأعلم أمكن من معرفة أمور السياسة، وبأنه أعظم جسما مع قوة قلبه بالْعلم، فهو أليق بالحروب وأهيب للعدو كما قال { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } وكان القائم يمد يده، فينال رأسه، ويقال، كان أطول من غيره برأسه ومنكبيه، وبأن الله المعطى المانع، وقد أعطاه الملك كما قال { وَاللهُ يُؤتِى مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } وبأن الله واسع الفضل فقد يغنيه، وبأنه العالم بمن يليق بالملك كما قال { وَاللهُ وَٰسِعٌ عَليمٌ } ولا يضر أنه فقير أو دنىء الرتبة عندكم، ملاك الأمر اصطفاء الله، وقد اصطفاة، والعمدة وفور العلم، والملك لله، فله أن يعطى ملكه من يشاء، وهو واسع الفضل يوسع على على الفقير فيغنيه، وقدم البسطة فى العلم على البسطة فى الجمس لأن الفضائل النفسية أشرف من الفضائل الجسمية.
يروى أنه لما مات موسى خلفه يوشع، ثم خلفه كالب، ثم خلفه حزقيل، ثم إلياس، ثم اليسع يحكمون بالتوراة، ثم ظهرت عليهم أعداؤهم العمالقة، وغلبوا على كثير وسبوا، ولم يكن لهم نبى يدبر أمرهم، وكان سبط النبوة قد هلكوا إلا امرأة حبلى، فولدت غلاماً، فسمته أشمويل، سلمته للتوراة فى بيت المقدس، وكفله شيخ من علمائهم، ولما كبر نبأه الله، وكان نائماً عند شيخه، فناداه ملك، فقال لشيخه، ناديتنى؟ فقال له: اذهب. ثم، فكان ذلك مرة ثانية، فقال له، إن ناديتك مرة ثالثة فلا تجبنى، وناداه الملك، وقال له، أنت نبى بنى إسرائيل، فأخبرهم، فقالوا: عجلت إن صدقت فابعث لنا ملكا، فكان أمر طالوت وأشمويل هذا من نسل هارون عليهما السلام، وكان أمرهم يقوم بملك يلى الجموع بنبى يرشده، ولما ملك أشمويل طالوت قال له طالوت، أما علمت أن سبطى أدنى أسباط بنى إسرائيل؟ وكان من سبط بنيامين بن يعقوب ولم تكن فيهم نبوة ولا ملك، وكان دباغا، وقيل نساجا، قال: بلى، فقال أسمويل، الله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم، ولما طلبوا آية ملكه كما شهر، وعليه الأكثر، أو لم يطلبوا، أنزل الله جوابا، أو تقوية ما ذكره عن نبيهم فى قوله:
{ وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيكُمُ التَّابُوتُ } فعلوت من تاب بمعنى رجع، فإنه إن غاب هو أو ما فيه رجع، ويناسبه أيضاً أن يضع الواضع فيه شيئاً فيرجع إليه، والأصل التَوْبُوت بفتح التاء، وقلبت ألفا، وهذا شأن كل صندوق، والواو والتاء بعد زائدتين كرحموت وملكوت، وقيل فاعول، فالتاء أصل بعد الواو، كالتى قبل، وفيه قلة اتخاذ الفاء واللام كسلس وقلق، وهو الصندوق الذى جعلت فيه موسى أمه، وقيل: صندوق توضع فيه التوراة من شجر السرو، أو شجر الصمغ مموه بالذهب، من ثلاثة أذرع فى ذراعين، وفيه صور الأنبياء كلهم، أنزله الله على آدم من الجنة، وتوارثه الأنبياء إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام، وفشا الزنا فى بنى إسرائيل حتى على قارعة الطريق، فسلط الله عليهم العمالقة، فأخذوه وجعل الله رده منهم علامة ملك طالوت، وكان بنو إسرائيل يستفتحون به على عدوهم، ويقدمونه فى القتال بين أيديهم، ويطمئنون إليه كما قال { فِيهِ سَكِينَةٌ } طمأنينة لقلوبكم { مِن رَّبِّكُمْ } كان موسى يقدمه فلا يفرون، وتسكن إليه نفوسهم، وقيل السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت، لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها، وجناحان، فنئن، ويسير التابوت بسرعة نحو العدو ويتبعونه، فإذا استقر سكنوا وثبتوا ونزل النصر، أخرجه ابن جرير عن مجاهد، قال الراغب، ولا أراه صحيحا، والتصوير كان حلالا للأمم ولو لما فيه روح وبرأس، بل ولو لم يحل، لأنه هذه من الله، ففى التوراة لا تعلموا صوراً ولا تعبدوها، ويقال: كانوا يسيرون بسيره ويقفون بوقوفه، وإذا استمعوا صوته تيقنوا بالنصر، أو التابوت القلب والسكينة ما فى القلب، من العلم والإخلاص، وإتيانه مصير القلب كذلك بعد أن لم يكن، وهو ضعيف، لأنه لا يلائم أنه آية ملك طالوت لخلفائه، ويروى أنه إذا اختلف بنو إسرائيل تحاكموا إليه فيكلمهم بالحكم { وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ، ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَٰرُونَ } عصا موسى تنثنى فيه، ونعلاه وثيابه، وعمامة هرون، وما تكسر من ألواح التوراة حين ألقاها موسى، وقفيز من المن الذى كان ينزل فى التيه، وإلا لأن أبناءهما أو أنبياء بنى إسرائيل، لأنهم أبناء عمهما، أو ذكرا تعظيما، والمراد نفس موسى وهرون { تَحْمِلُهُ الْمَلَٰئِكَةُ } بعد أن نزعته من ظهر البقرتين حين قربتا من الوصول، وذلك أنه لما عصى بنو إسرائيل غلبهم جالوت وقومه من العمالقة وأخذوه وجعلوه فى موضع البول والغائط، ولما أراد الله أن يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء، وابتلى كل من بال عليه بالبواسير وهلكت لهم خمس مدائن، فعلموا أن ذلك بسبب التابوت، فحملوه على ثورين فأقبل الثوران، ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة حتى قربا من منزل طالوت حملوه إليه، وقيل: ساقوهما حتى أتوا منزله فسمى السوق حملا، ولما سألوه الآية قال لهم نبيهم: إنكم تجدون التابوت فى دار طالوت، { إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لأَيَةً لَّكُمْ } على ملك طالوت تنتفعون بها { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } وهذا من كلام نبيهم، أو خطاب من الله لهم، ولما رأوا التابوت أقروا بملكه، وتسارعوا إلى الجهاد، واختار من شبابهم سبعين ألفاً فارغين من الأشغال ناشطين، وقال لهم لا يخرج معى من نبى بناء لم يتمه، أو من شغل بالتجر، أو من تزوج بامرأة ولم يبن بها، وقيل: ثمانين ألفاً، وقيل: مائة وعشرون، ومنهم داود على كل الأقوال.