خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٦٧
قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ
٦٨
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ } وقد قتل لهم قتيل لا يدرى قاتله، اسمه عاميل، وسألوا موسى أن يدعو الله أن يبينه لهم، والقتيل ذو مال، قتله بنو عمه، وقيل ابنا عمه اثنان، وقيل، أخوه، وقيل، ابن أخيه، وهم فقراء ليرثوه، وحملوه إلى باب قرية، وألقوه فيه، فطلبوا آثاره، وادعوا القتل على رجال جاءوا بهم إلى موسى عليه السلام، وروى أنه قتله قريب له ليتزوج زوجه، وقيل، ليتزوج بنته، وقد أبى، ذكر الله تعالى قصتهم، ذما لهم بالتعاصى، أو برفع التشاجر بينهم، وبيانا لمعجزة من معجزات موسى عليه ا لسلام { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } أول القصة هو قوله تعالى " { وَإِذْ قَتلتم نفساً } " [البقرة: 72] ولكن أخره ليتصل توبيخهم على عيوبهم بالعيوب المتقدمة. إذ وبخهم على قولهم لنبي الله صلى الله عليه وسلم: { أتتخذنا هزواً } وليس من شأنه أن يعبث معهم بذبح البقرة، وينسب الأمر لله يذبحها مع أنه لم يأمرهم، وما قال عن الله إلا الحق، ووبخهم على تعنتهم فى البقرة ما هى، ما لونها، وما هى بعد لونها مع أنهم لو ذبحوا بقرة ما لكفى إذ لم يؤمروا بمعينة، ولو كان الأمر الغائب المفضى عند الله يؤول إلى معينة لا محيد عنها، وكذا لو عمدوا إلى بقرة عوان ما بعد سؤالهم الثانى لكفى ذبحها، ولو عمدوا إلى عوان صفراء لاشية فيها بعد سؤالهم الثالث لكفى { فَقَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } أتتخذ أمرنا هزؤاً، أو أتتخذنا ذوى هزء، أو موضع هزء، أو مهزوءاً بنا أو نفس الهزء مبالغة لبعد ما بين ذبح البقرة وأمر القتيل، ولو عقلوا لامتثلوا فتظهر لهم الحكمة، أن يضرب ببعضها فيحيا مع أنهم لم يجربوا منه العبث قط، ونسبتهم الهزء إليه شرك، لأنهم لم ينسبوه إليه على وجه مزاح جائز، بل على وجه الكذب عن الله، لأنه نسب الأمر بالذبح إلى الله، وإن جعلوا محط الاستهزاء، أن الله لا يقدر على إحياء الميت فأشد كفراً، ويحتمل أن ذلك من غلظ الطبع والجفا لا إشراك، أو الاستفهام استرشاد لا إنكار { قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ } من أن أكون { مِنَ الْجَاهِلِينَ } أى فى سلك من اتصفوا بالجهل، لبرهان على جهلهم، فذلك أبلغ من أن يقول، أن أكون جاهلاً، واختار الأبلغ، لأنه أليق بما وصفوه به، فإنه من يكذب على الله، ويقول، أمر بكذا ولم يأمر به من أهل الجهل البين، كظلمة الليل، والجهل عدم العلم، أو اعتقاد الشىء على خلاف ما هو به، أو فعل الشىء بخلاف ما حقه أن يفعل، وهذا الأخير هو المراد هنا، ولما علموا أن ذلك أمر من الله عز وجل لقوله { أعوذ بالله } إلخ قالوا ما ذكر الله عنهم بقوله:
{ قَالُوا ادْعُ لَنَا } اللام للنفع أو للتعديل { رَبَّكَ يُبَيِّنُ لَّنَا مَا هِيَ } أى ما وصفها معها، فإن ما سؤال عن الوصف هنا، فكأنه قيل، ما سنها، فأجيب عليه، وعن الجنس أو الحقيقة، وليس مراداً هنا، إذ لا يسألون عن جنس البقرة أو حقيقتها لعلمهم بها، ومن السؤال عن الوصف نحو ما عمرو؛ تريد، أخياط أم حداد، أو، أمسنّ أم شاب، وما زيد، أفاضل أم كريم، والكثير فى ما الجنس أو الحقيقة نحو ما العنقاء، وما الحركة { قَالَ } أى موسى { إِنَّهُ } أى الله { يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ } هى { فَارِضٌ وَلاَ } هى { بِكْرٌ } أو لا صلة بين النعت والمنعوت، أو منزلة مع ما بعدها منزلة اسم، فظهر الإعراب فيما بعد، كقوله تعالى
" { لو كان فيهما ءَالِهَة إلا الله } " [الأنبياء: 22] أى غير فارض وغير بكر، وغير الله، ولم يقرنها بالتاء، لأنهما لا يطلقان على المذكر، فهما كحائض، لا يطلق إلا على المؤنث، ويقال فى غير البقرة جمل أو غيره بكر، والمؤنث بكرة بالتاء، والغرض القطع أى لم تقطع أسنانها لكبرها بالانكسار، أو باستفراغ سنيها المعتبرة فى الإنسان كالثنى والجذع، والرباع، أو انقطاع ولادتها، والبكر الشابة الصغيرة بحيث لا تلد، وقيل: التى ولدت ولداً واحداً { عَوَانٌ } نصَف { بَيْنَ ذَلِكَ } بين ما ذكر من الفارض والبكر، وقيل: ولدت مرة أو مرتين { فَافْعَلُوا مَا تُؤمَرُونَ } به من ذبحها علَى هذا الوصف بلا توقف، وطلب استفسار، فتكلفوا سؤالا هم فى غنى عنه، وهذا من كلام الله، أو من كلام موسى عليه السلام.