خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
٩
إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى
١٠
-طه

تيسير التفسير

{ وهل أتاك حديثُ مُوسَى } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما أو ذى به موسى عليه السلام كغيره، أنهم عراهم من أفواههم ما عراك، وإعلان بأن شأن الأنبياء القيام بالتوحيد وأموره. وتحمل المشاق بعد ما سلاه عن تكذيب قومه تقوله سبحانه: " { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } " [طه: 2] والاستفهام للتقرير، وأجاز بعض أن يكون للنفى أى ما أتاك حديث موسى قبل، بل نخبرك به الآن، وقيل هو بمعنى قد، وحديث بمعنى اسم مفعول أو المصدر، ولذلك علق به قوله:
{ إِذ رأى ناراً } أى ما تحدث به إذ رأى ناراً، أو تحدثه إذ رأى ناراً، ويجوز تعليقه به مع بقائه على معنى الكلام أو الخبر بلا تأويل، لأن الظرف يكفى فيه رائحة الفعل، أو يعلق بمحذوف، أى إذ رأى ناراً الخ، كان كيت وكيت، أو كان كيت وكيت إذ رأى ناراً، أو يجعل مفعولا لمحذوف، أى اذكر إذ رأى ناراً.
استأذن موسى شعيباً عليهما السلام أن يخرج من مدين الى مصر لزيارة أمه وأخيه، وقد طالت المدة من حين قتل القبطى بمصر، ورجا خفاء أمره، فأذن له، وكان غيوراً فخرج بلا رفقة لئلا ترى زوجه، وقيل برفقة يصحبهم ليلا، ويفارقهم نهاراً، وكانت على أتان على ظهرها جوالق فيها أثاث البيت، ومعه غنمه، وأخذ على غير طريق فيما قيل خوفاً من ملوك مصر، ولما وافى طوى بالجانب الغربىّ من الطور، ولد له ابن فى ليلة مظلمة شاتية مثلجة، ليلة الجمعة، وقد ضل عن الطريق، وتفرقت ماشيته، ولا ماء عنده، وقدم زنده ولم يور ناراً، فبينما هو كذلك إذ رأى ناراً بيضاء، على شجرة خضراء، تتقد من أسفلها الى أعلاها، كلما قرب منها بعدت، وكلما ذهب عنها قربت، وهى نور على صورة النار، وقيل نار لا تحرق، يدنو منها ليقبس فى حطب بيده، فتبعد ويذهب فتقرب، وهى على يسار الطريق من جانب الطور.
{ فقال لأهْله امْكُثوا } هنا لا تتبعونى فى مسيرى الى هذه النار، خطاب لزوجه وخادمه وما ولد له، ولو كان لا يعقل لأنه توسط، أو خاطبهما دونه بلفظ الجمع، أو لزوجه للتعبير بلفظ الأهل، أو لتعظيمها كقول الشاعر:

وإن شئت حرمت النساء سواكم

{ إنى آنسْتُ ناراً } أبصرتها إبصاراً لا شبهة فيه، أو أبصرت ما يؤنس به وهو النار، أو وجدت ناراً { لعلِّى آتيكم منها } أى من النار، ومن للابتداء { بِقَبَسٍ } بشعلة مقتبسة على رأس جزلة من الحطب، والجاران متعلقان بآتيكم، وهو مضارع لا اسم فاعل، لأنه أنسب بالمضارع فى قوله: { أو أجدُ على النَّارِ هُدًى } هادياً أو ذا هداية الى الماء، ويجوز إبقاؤه على ظاهره من المصدرية بلا تأويل، كأنه قال أو أجد هداية إليه من هاد، والمقام لذلك لا كما قال مجاهد وقتادة المراد الهداية الى أبواب الدين. من حيث إن قلوب الأبرار مغمورة بالدين، لا يشتغلون عنها إلا يريان الى قوله: { لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة } [القصص: 29] وأو لمنع الخلو لا لمنع الجمع، إذ لا يكره أن يجد قبساً ولا دلالة على الماء جميعاً، بل يجب ذلك، ولا مانع من أن تكون أو فى الآية بمعنى الواو، فيكون قد طلبهما جميعاً، ولكن الأصل أن تكون بمعنى أو إلا لدليل.
والاستعلاء على مكان يقرب من النار، كما قال سيبويه الإلصاق بمكان يقرب من زيد فى: مرت بزيد، وقد يعتبر فى الاستعلاء أن المطابخ مثلا أو المصطلى يعلو جسده على النار، ولا سيما إن كان لهما شغل بالانحناء فوقها كالاصطلاء، وإصلاح شواء، ولا مانع من جعل على بمعنى عند، أو مع وما تقدم هو المشهور، ويجوز تعليقه بمحذوف حال من هدًى، ومقتضى الظاهر: أو أجد عليها، ولكن أظهر ليصرح بالعلة. فإن النار لا تخلو من وجود نافع منها، ولو واحد، ولا سيما جماعة. والمقصود المنون إن كان عن ياء كتب ياء، أو عن واو كتب ألفاً فقيل ألفه لام الكلمة، ففى حال النصب يوقف بألف الأصل كالجر، والرفع على أنه يحذف التنوين للوقف، فيرجع ألف الأصل، ومن قال: يقلب ألفا كتبه ألفاً، ومن يقف على المنصوب المنون بالإسكان كتبه ياء إذا كان عن ياء.