خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ
١٢١
-طه

تيسير التفسير

{ فأكلا } آدم وزوجه { منها } من الشجرة التى سماها اللعين شجرة الخلد مع أنها شجرة الخروج والفناء والتعب، قال سعيد بن بير: لما خرج آدم استقبله ثور أبلق فقيل له: اعمل عليه فكان يعمل ويمسح العرق عن جبينه وقول: هذا ما وعدنى ربى " { ولا يخرجنَّكما من الجنَّة فتشفى } " [طه: 117] ثم نادى: يا حواء أنت عملت بى هذا، فعمال الثور يقولون حوحو مكرراً اختصاراً من قول آدم يا حواء فى بلادنا المضابية هذه، عند حرث الأرض والدوس مع البغال والحمير وغيرها، دخل عليهم ذلك من قبل آدم.
{ فبَدتْ لَهُما سوءاتهما } ظهرت لكل واحد سوأتان من الآخر، ولكل واحد قبل نفسه، وهما القبل والدبر، كانا مستورين بنور فنزع، أو بظفر فنزع، وبقيت بقية منه فى أصابعهما وبنانهما، ليذكرا بها شؤم الذنب، وذلك عقوبة للذنب، ولا يخلو عن مصالح أخرى، ولما ضرب ذلك الثور قال: لم؟ قال: لعصيانك لى، فقال: هل ضربك الله إذ عصيته { فَطَفقا } شرعا { يخصفان عليهما } يرفعان ويخيطان، وفيه عمل عامل واحد فى ضميرين لمسمى واحد، وهو عندى جائز مقيس مطرد فى كل عامل، إذا كان أحدهما بجار لكثرة ذلك فى القرآن، فألف يخصفان، وهاء عليهما لآدم وحواء معاً فى الموضعين، والعامل يخصف.
{ مِنْ وَرق الجنَّة } يلصقان ورقة بأخرى، والمتبادر أن شجر الجنة بأوراق كأوراق شجر الدنيا، وفى الآثار أنها من ذهب وفضة، ولعل المراد بورق الجنة هنا ورق تلك الشجرة التى أكلا منها، وأن أوراقها كأوراق شجر الدنيا، ولا مانع من أن يرفعا اليهما أوراق الذهب والفضة، وفى أثر أنه تفتت الورق عنهما إذا يبس { وعَصَى } لا يقال آدم عاص، لأن اسم الفاعل أقوى من الفعل { آدمُ ربَّه } بالأكل من الشجرة { فَغَوى } ضل عن الرشد باغتراره بقول العدو، أو عن الخلود الذى طلب بالأكل، أو عن المطلوب منه، وهو ترك الأكل من الشجرة، والذى أقول به: إن ما نسب الله عز وجل الى بعض الأنبياء من المعاصى، ليست من جنس معاصينا، لا عمداً ولا خطأ قبل النبوّة، ولا بعدها، بل دونها، عدها الله عليهم معاصى، لعظم مقامهم كمكروه، وجائز ومرجوح، ونسيان وتأويل كما ذكر فى آدم كما شاع: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقال إبراهيم: يا رب أدخلت آدم الجنة بلا عمل، وأحسنت اليه كل إحسان، وعصى مرة فملئت الأفواه بمعصيته؟ فقال: أما علمت أن مخالفة الحبيب للحبيب أمر عظيم، وذكر بعض أن ذلك ليزجر أولاده، وفى البخارى ومسلم، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"احتج آدم وموسى: قال موسى: يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة. فقال له آدم: أنت يا موسى اصطفاك الله تعالى بكلامه وخط لك التوراة بيده أتلومنى على أمر قدره الله تعالى على، قبل أن يخلقنى بأربعين عاماً فحج آدم موسى" وفى رواية المسلم: "قال آدم: بكم وجدت الله تعالى كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين سنة، قل فهل جدت فيها (وعصى آدم ربه فغوى)؟ قال: نعم، قال: فهل تلومنى على أن عملت عملا كتب الله علىَّ أن أعمله قبل أن يخلقنى بأربعين سنة" قال صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى" .
وقال ابن العربى والقرطبى: إنه لا يجوز استئناف ذكر نبى بمعصية نسبها الله اليه، بل إذا قرئت الآية أو الحديث فيها كما فى المتشابه من القرآن والحديث، فى شأن الله، كاليد والأصبح، والنزول، وأجازت الأزارقة على الأنبياء الإشراك وما دونه، وأجاز الباقلانى صدور الكبيرة مطلقاً قبل النبوّة، وإرسال من أسلم من شرك، ووافقه كثير من الأشعرية ومن المعتزلة، ومنعت المعتزلة صدور الكبيرة قبل البعثة، وفى المواقف جوز الأكثرون صدور الكبيرة، غير الشرك، وغير الكذب فى المعجزة سهواً، أو خطأ، ونسب بعض جواز الصغيرة غير الخسيسة عمداً بعد البعث، ونسب للجمهور.
ويقال: تجوز سهواً إجماعاً، واشترط المحققون أن ينبهوا فينتبهوا، وأجيزت الصغائر قبل البعثة، وذلك من آدم قبلها، قالت الشيعة الأنبياء معصومون عن الصغائر من وقت الولادة، وأكثر المعتزلة من وقت البلوغ، وأكثر الشافعية من وقت النبوّة، وعليه أبو الهذيل وأبو على من المعتزلة، وذلك أنه لا أقبح ممن رفعت درجته، وعصى رافعها ولو عصى كان كآحاد الأمة، وزال الوثوق به، وصار آمراً بما لا يفعل، ناهياً عما يفعل، وأجاز أكثر المعتزلة الصغائر عنهم عمداً.