خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى
١٢٩
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ
١٣٠
وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
١٣١
-طه

تيسير التفسير

{ ولولا كَلمةْ } عدة { سبَقَت من ربَّك } بأن لا يهلك أمتك باستئصال كقوم نوح وعاد وثمود، أكراماً لك، كما يدل له لفظ الربوبية مضاف لضميره، ولأن من نسلهم من يؤمن، ولما شك الله عز وجل { لَكَان } الإهلاك لهم { لِزاماً } لاصقاً بهم، فجأة ولا يتأخر كخصم ملح، كما فعلنا بمن قبلهم، وأصله مصدر لازم يلازم، أو اسم آلة كالحزام، والركاب، وصف به للمبالغة، ويبعد كونه جمع لازم كقائم وقيام، لافراد ضمير كان فيحتاج الى تأويل أن إهلاك كل واحد كان لازماً، وجملة إهلاكتهم لوازم.
{ وأجلْ مسَمَّى } عطف على كلمة أو ضميرها فى سبقت أخر مسارعة الى مضمون جواب لولا، للفاصلة، والأجل المسمى آجال أعمارهم، وقيل الأجل المسمى لعَذَابهم يَوْم القيامَة أجلنا لهم عذاب يوم القيامة وحده، لا عذاب استئصال معه، وقيل الأجل المسمى أجل عذاب يوم بدر، وعدهم إياه ولم يعدهم عذاب الاستئصال، وأجيز عطفه على ضمير كان، أى لكان الأخذ العاجل، والأجل المسمى لازمين لهم، كدأب عاد وثمود، وصلاه الله عز وجل من ضيق قلبه بكفر قومه وأذاهم بقوله:
{ فاصْبِر عَلى ما يقُولُون } من كلمات الكفر، فإنهم معذبون عليه لا محالة، وليسوا مهملين، بل ممهلون، وهذا صبر لا ينسخ، فهو مستمر بعد الأمر بالقتال وقبله { وسبِّح بحَمْد ربِّك } صل ملتبساً بحمد ربك، يزدك كمالا وتوفيقاً { قَبْل طُلُوع الشَّمْس } صلاة الفجر وقبْل غُرُ وبها صلاة العصر،
"قال فضالة بن وهب الليثى: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: حافظ على العصرين قلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها" وقيل: قبل غروبها الظهر والعصر، لأنهما قبل الغروب، وبعد الزوال، وجمعهما مطابقة لقوله:"قبل طلوع الشمس" ولا يخفى أن المتبادر قبل الغروب العصر، لأنه يليه.
{ ومن آناء الليل } من ساعات الليل جمع إنى أو إنو بكسر الهمزة وإسكان النون فيهما أو إناء بكسر الهمزة وفتح النون بعدها ألف عن ياء، أو عن واو هو متعلق بقوله { فسبِّح } على أن الفاء مقحمة للدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها، أو بمحذوف عطف عليه بالفاء، سبَّح أى قم وقتاً من آناء الليل، فسبِّح، وزعم بعض عن النجاة أن الفاء لا تمنع ما بعدها عن العمل فيما قبلها، ولو لم تكن زائدة، والمراد صلاة المغرب والعشاء { وأطْرَاف النَّهار } بالنصب عطفاً على محل من آناء الليل، أو على من التبعيضية، أو على قبل الشمس، أوعلى قبل غروبها، والمراد ذكر الله فى جميع النهار بصفات الجمال، والتنزيه عن النقائص، أو بقول: سبحان الله والحمد لله.
روى أنه من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة، غربت بذنوبه، وعبر بطرفيه لا صلاة النفل كما قيل، لأنه لا صلاة بعد صلاة الفجر، حتى تطلع الشمس طلوعاً كاملاً، ولا بعد صلاة العصر ولأن ذلك نفل والأصل فى الأمر الوجوب، والمقام له، وتقدم قول بدخول صلاة الظهر فى قوله قبل غروبها، وأجيز إرادة صلاة الظهر بأطراف النهار، لأنها بعد الطرف الأول، وهو النصف الأول من النهار، وأول الطرف الآخر، وهو النصف الثانى، وذلك ولو كانا طرفين للنصفين هما طرفان للنهار، لأن النصفين له والظهر، ولو كان لا يقام آخر النصف الأول، لكن يقام أول النصف بعده تلك صلاة حصلت بعد وجود الطرف الأول، وحصول الثانى، وقيل: هذا تكرير لصلاة الصبح والعصر، والنهار ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس، ولا يضرنا أن الطرف الأول محدود متميز، والثانى ليس على حدته إلا أن الأصل عدم التكرير، وأطراف مراد به اثنان أو هو باعتبار تعدد النهار، الأول أولى، وأجيز أن يكون الطرف بمعنى الطائفة من الشىء.
{ لعلَّك تَرْضى } متعلق بسبح، أى سبح فى هذه الأوقات راجياً أن تنال ما ترضى به تفسك من الثواب، أو بالأمر بالصلاة والصبر. أى لعلك ترضى بحصول الظفر، وانتشار دين الإسلام، قال أبو رافع. نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف، فبعثنى الى يهودى فقال لى: قل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بمعنى كذا وكذا من الدقيق، أو أسلفنى الى هلاك رجب، فأتيته فقلت له ذلك، فقال: والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:
"والله لو باعنى أو أسلفنى لقضيته، وإنى لأمين فى السماء، وأمين فى الأرض، اذهب اليه بدرعى،" فنزل قوله تعالى:
{ ولا تمدَّنَّ عيْنَيك الى ما متَّعنا به أزْواجاً منْهُمْ زَهْرة الحياة الدُّنيا } أى زينتها، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يدوم على ما هو عليه من عدم مد النظر الى زينة الدنيا متضمن وعطف أمته بأن يكتسبوا عدم المد، وكان صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الدنيا، وكان يقول: الدنيا ملعونه ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله، قال زيد بن أرقم: كنا عند أبى بكر فدعا بشرابه فأتى بماء وعسل، فلما أدناه من فيه بكى فبكينا لبكائه، فسكتنا ولم يسكت، ثم مسح عينيه فقلنا ما هاجك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أرى معه شيئاً ولا أحداً، فقلت: يا رسول الله أراك تدفع عن نفسك شيئاً، ولا أرى معك شيئاً؟ قال:
"هذه الدنيا تمثلت لى فقلت: إليك عنى فتنحت فقالت: أما أنك إن تفلت عنى فإن يفلت عنى من بعدك، فخفت أن تلحقنى" ثم وضع الإناء من يده، ولم يشرب.
قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادمته ولم يردها، وأماعثمان فنال منها ونالت منه، وأما على فكان يرجو منها أحياناً ويتركها أحياناً، واما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن، ولا ندرى الى ماذا يصير الأمر، ويحتمل أنه يصدر منه المد ابتغاء لها للمؤمنين، لينتفعوا بها، ويتوصلوا الى إعانة الدين والقيام لا لنفسه ويرده أنه لا يجب لهم ما يكون واسطة للسوء، كالفخر، بل يجب لهم الكفاف، أو الخطام لمن يصلح له من أمته، لا له والذى متعوا به هو زخارف الدنيا كالأولاد والبنين والأموال والمنازل والملابس والمطاعم، والأزواج أصناف الكفرة، وفى المد تلويح بأن النهى عن الإطالة أو الإعجاب والميل، ولذلك لم يقل لا تنظرون، لأن النظر بدون ذلك معفو عنه.
وكان بعض العلماء يغض بصره عن النظر الى بنائهم وملابسهم، لأنه يغريهم ويغرى غيرهم عليها، ولأن النظر إليها محصل لغرضهم، إذا اتخذوها للفخر، ولقد شدد المتقون فى وجوب غض البصر عن أبينة الظلمة، وملابس الفسقة، لأنهم اتخذوا ذلك لعيون الناظرين، فلا تعينوهم على مرادهم من النظر، وانظروا الى ما يلوح على ذلك من ذل العقاب، وكان عروة بن الزبير إذا رأى ذلك قرأ: { ولا تمدن } الآية، ونادى أهله للصلاة، وقرأ:
" { وأمر أهلك بالصلاة } " [طه: 132] وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى احتياجاً فى أهله أمرهم بالصلاة، صلى وقرأ: { وأمر أهلك } وكذا مالك بن دينار، وبكر بن عبد الله المزنى و { زهرة } مفعول ثان لمتعنا على على تضمين معنى أعطينا أو يقدر أعطيناهم زهرة الحياة الدنيا، أو يقدر احذر زهرة الحياة أخرج زهرة، فان الرغبة فيها تحرم نور التوفيق.
{ لنفتنهم فيه } اللام متعلق بمتعنا، والمعنى لنعاملهم معاملة المختبر، أو لنعذبنهم بسببه فى الآخرة، عبر عن العذاب بسببه، وذلك تقبيح لها فى قلوب المؤمنين { ورزقْ ربِّك } الذى ادخره لك فى الآخرة أو ما رزقك فى الدنيا من النبوّة والهدى، أو ادخر لك من فتح البلاد والغنائم، ويضعف أنه القناعة إذ لا دليل له فى الآية، ولو كان في نفسه صحيحاً، بل يضعف بقوله وأبقى { خَيْر } مما متعوا به في ذاته، ولا عاقبة سوء عليه، بخلاف ما متعوا به { وأبْقَى }، فإن خير الآخرة لا يزول، وأثر النبوَّة والهدى، وفتح البلاد مستمر الى قرب قيام الساعة، وتستمر ثمرة ذلك فى الآخرة أيضاً بخلاف ما متعوا به فيزول بموت أو غيره.