خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى
٧
-طه

تيسير التفسير

{ وإِنْ تجْهَر بالقَوْل } الخ فهو محيط بذلك ملكاً وعلماً. والخطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو اللفظ له، والمراد هو وأمته، أو للإنسان، والمتبادر أنه صلى الله عليه وسلم المراد لموافقة قوله تعالى: " { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } "[طه: 2].
{ فإِنَّه يعْلَم السِّرَّ } مالم ترفع به صوتك، أو ما تكلمت به، بتحريك لسانك دون أن تسمع منكر تعظيماً أى وشيئاً أخفى من ذلك، وهو ما فى قلبك دون تحريك لسانك، وزاد سعيد بن جبير على ذلك ما سيكون فى قلبك، ولا تنطق به، وقيل السر ما أخفيته فى نفسك، والأخفى ما يحدث ببالك ونسيته، وعن ابن عباس: السر ما تسر فى نفسك، وأخفى ما يحدث بعد فيها، وعنه السر ما فى نفسك، والأخفى ما ستفعله، وقيل: السر ما أسره الى غيره، وأخفى ما فى نفسه، وقيل: السر ما يفعل فى خفاء عن الناس: والأخفى الوسوسة، وذلك كله فى الطاعة والمعصية والمباح.
وقيل ذلك ترغيب فى الطاعة، وزجر عن المعصية، ظاهرة أو باطنة، وعن زيد بن أسلم أخفى فعل ماض معطوف على يعلم بمعنى أنه يعلم الخلق وما عند الخلق، وأخفى عن الخلق، ما عنده كقوله تعالى:
" { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً } " [طه: 110] وهو معنى صحيح بعيد عن لفظ الآية، والقول مطلق الكلام، فدخل ذكر الله عز وجل ودعاءه بالأولى وبالذات: لأنه صلى الله عليه وسلم يجهد بالدعاء، وبتبليغ القرآن، حتى إن بعضاً خص القول بذكره صلى الله عليه وسلم لله عز وجل، ودعاءه إياه على أن أل للعهد، والله يعلم السر وأخفى، جهر الناطق أو أسر.
ولا يتوقف علمه على الجهر، فالجواب محذوف وقوله: { فإنه يعلم السر وأخفى } تعليل، والتقدير وإن تجهر بالقول فاعلم أن الله يعلم السر وأخفى، فكيف لا يعلم الجهر؟ والثلاثة عنده سواء، أو إن تجهر فاعلم أن الله غنى عن جهرك، لأنه يعلم السر وأخفى، وخص الجهر بالذكر لأنه الأكثر فى الناس، وللإرشاد الى أن الجهر بالذكر أفضل لأن فيه تصوير النفس بالذكر والسماع من نفسه، كأنه يسمع من غيره أيضاً، وتثبيته فيها، ومنعها عن الاشتغال بغيره، وقطع الوسوسة، وتنبيه الغافل، وإشهار التوحيد، والشرع والتعليم، وذلك بالإخلاص وانتقاء المحذور.
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى:
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" وحمل على التعليم، وإذا لم يكن مقام داع للجهر أو لم يقصد ذلك المقام فلا جهر وهو قوله تعالى: " { واذكر ربك فى نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر } " [الأعراف: 205].
وجاء الحديث: أن دعاء السر يعدل سبعين من الجهر، ويجهر حيث ورد الجهر، كتكبير العيدين والتلبية، ويسر حيث يسمع القرآن لأنه لا حسن أن يعلو صوت على القرآن، ولا أن يشغل عنه، وجاء أكثر من عشرين حديثاً فى جهره صلى الله عليه وسلم بالذكر، مع أن قوله عز وجل: "ودون الجهر، نقول معناه: ودون الجهر المفرط، وقد قيل الإخفاء فى مكة، وحين هاجر أمر بالجهر، لدليل أنه يجهر، وقيل السر له صلى الله عليه وسلم، والجهر لغيره دفعاً للوساويس.