خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ
٣٠
-الأنبياء

تيسير التفسير

{ أو لَمْ ير الذين كَفَروا } تجهيل لهم وتوبيخ على عبادة ما لا يملك ولا نفعاً، ولا يضر ولا ينفع، وترك الإيمان والإخلاص بمالك كل شىء من أجسام وأعراض، ومنافع ومضار، وخالق ذلك، والتقدير، ألم يتفكر الذين كفروا ولم يروا، ولما حذف ذلك أظهر الذين كفروا، والرؤية رؤية علم، والمراد أن يخبرهم الله بالرتق والفتق، فيدركوهما لا الأمر باستعمال النظر استعمالا يدركونهما به، لأنه لا يدركونهما به، ولو كان ممكناً، أو أراد ألم يعلموا من أهل الكتاب { أنَّ السماوات والأرض كانتا رتقاً } ثنى لاعتبار أن السموات كمفرد بمعنى فريق أو طائفة، كقوله عزوجل: " { السماوات والأرض وما بينهما } " [الأنبياء: 16] وقوله عز وجل: " { إن الله يمسك السماوات والأرض } " [فاطر: 41] الخ وقول الشاعر:

إن المنية والحتوف كلاهما دون المحارم يرقبان سوادى

وأفرد رتقاً لأنه فى الأصل مصدر بمعنى الضم، فيأول مرتوقتين بمضمومتين، أو ذاتى رتق، أو مبالغة كأنهما نفس الضم، أو كانتا شيئاً واحداً مضموماً.
{ ففتقناهما } الى سبع سماوات، وجعلناهن حيث كن الآن، والى سبع أرضين جعناهن حيث هن الآن بين كل من ذلك وآخرى خمسمائة عام، سمى كل ما يكون سماء أو أرضا من ذلك المجموع، والمضموم سماء وأرضاً على مجاز الأول، والممكن قبل وجوده متميز فى نفس الأمر، لأنه متصور، ولا يمكن تصور الشىء إلا بتمييزه عَن غيره، وإلا لم يكن بتصوره أولى من غيره، ولأن بعض المعدومات قد يكون مراداً دون بعض، ولولا التمييز بينهما لما عقل، لأن القصد لإيجاد غير المتعين ممتنع، لأن ما ليس متعيناً لا يتميز القصد اليه، عن القصد الى غيره، وعن الحسن خلق الله الأرض كالفهر فى موضع بيت المقدس، عليها دخان ملتصق به، فصيَّره سماوات، والفهر أرضين والفتق بقدرته تعالى.
وعن كعب الأحبار: بريح توسطها، أو خلقهن كالواح متطابقة وسمى تماسهما رتقاً، وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن السماوات والأرضين فى محالهن من حين خلقهن الله، وأن الرتق هو عدم نزول الماء، ونبت الأرض، والفتق إنزال الماء وإنبات الأرض بعد أن خلق الله للأرض من يسكنها، وللسماوات مدخل فى نزول الماء بقدرة الله عز وجل، وشهر أن الماء من السماء الدنيا، وشهر أنه من السحاب.
{ وجَعَلنا } خلقنا أو صيرنا { من الماء كُل شَىءٍ حىّ } عطف على فتقنا لا على أن السماوات الخ، لأن يرى لا يتسلط على جعلنا بلا حرف مصدر، ولا معلق كالاستفهام، والمعنى خلقنا كل حيوان من الماء كقوله:
" { والله خلق كل دابة من ماء } " [النور: 45] ومن للابتداء، ولو قدرنا ثابتاً من الماء، ومعنى كونه من الماء أن الإنسان من طين، الطين ماء تراب، وهو والدواب من نبات وثمار، من تولدة من الماء، والماء أعظم ما يحتاج اليه أيضاً، وخصت الملائكة والجن، فليست من الماء ويجوز أن يكون المعنى لا ينفك عن الماء، فتدخل الجن لأنها تأكل وتشرب، ويجوز أن تكون من للتجريد مبالغة فى شدة الاحتياج الى الماء، كقولك: رأيت من زيد البحر والأسد، فالمعنى جرد من الماء الحى، أو الماء النطفة، فلا تدخل الملائكة أيضاً، ولا ما يتولد بدونها { أفَلا يُؤمنُون } أيعلمون ذلك، فد يؤمنون، أنكر لياقة انتقاء إيمانهم مع مشاهدتهم موجبة.