خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ
٦٣
-الأنبياء

تيسير التفسير

{ قال بَلْ فَعَله كَبِرُهم هذَا } على مقتضى زعمكم أنه إله أكبر، غضب أن يعبد معه غيره منها، فاعلموا أن الله يغضب بأن تعبدوا معه غيره، أو أراد إثبات الفعل لنفسه ونفيه عنها استهزاء بهم، كقولك لا هى بل أنت كتبته بعد قوله أأنت كتبته استهزاء به، تريد إثبات الكتب لك ونفيه عنه، وفى البخارى ومسلم والترمذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلاَّ ثلاث كذبات، اثنتين فى ذات الله تعالى قوله: { إنى سقيم } آى سقيم القلب بضلالكم، وأو سأسقم، وقوله: { فعله كبيرهم هذا } وقوله عن سارة: هذه أختى" وكذا تسمية ذلك كذب فى حديث الشفاعة، وذلك صوبة كذب، ويجوز أن يكون قد أذن الله تعالى له أن يقول ذلك، كما أذن ليوسف أن قوله: " { أيتها العير إنكم لسارقون } " [يوسف: 70] وليسوا بسارقين، وتسمية ذلك كذباً مجاز لأن المعرضة أو الاستهزاء صورة، كذب لا كذب، وفى المعارض مندوحة عنه.
وكذلك قوله:
" { إنى سقيم } " [الصافات: 89] أن أراد به ضيق قلبه بكفرهم فبطل قول من استدل على عدم عصمة الأنبياء قبل النبوة بآلاية، وكذا لو قيل على بعد أن فاعل فعله ضمير ابراهيم، أو فتى وهو مستتر، وكبيرهم هذا مبتدأ أو خبر، ووجه بعده رد المتكلم ضمير الغائب الى نفسه، وتكلف ذلك أيها ما لهم، وخروجاً عن الكذب، ويضعفه أيضا الإضراب ببل، فإنه غير مناسب لما قبله، وقد يوجه بأنه إضراب عن شكهم واستفهامهم الى التصريح، ولا يشعرون بالتصريح، ومع ذلك هو قول الكسائى. وكان يقف على فعله إلا أنه قال: الفاعل محذوف، وكان يجيز حذف الفاعل بلا ضرورة ولا ســاكن، أو أراد بالحذف هنا الاستتار، وحذف الفاعل بلا دليل لحن، ولا يباح اللحن للتقية، أعنى أنه لا يخرج الكلام عن كونه لحناً لكونه تقية فهو معى التقية لحن، وكلام الله منزه عنه، إلا أن كلام ابراهيم بالعجمة فلعله وقع ذلك فى كلام ابراهيم، فذكره الله عز وجل كما هو فى كلامه، ولم يصلحه، وذلك ضعيف لا يخرج عليه القرآن، ولا على مثله فى الضعف مثل ما قيل: إن كبيرهم ابراهيم، وفيه أن ابراهيم ليس من تلك الأصنام، فيحتاج أن يراد بالكبير الرئيس عليهم والسيادة عليهم، كما قال للأنسان إنه سيد دوابه.
ومثل ما قيل: المراد كبيرهم هذا الإله الذى هو الله، وفيه مع بعده الإشارة الى الله بهذا فى اللفظ، ولو أراد به مقصوداً فى قلبه، ومثل ما قيل انه فاعل فقل وهو الله أو ابراهيم نفسه، وما قيل: إن الفاء عاطفة، وعلّ هو لعل حذفت لامه الأولى، ولام من آخره، كما قرأ ابن السميدع فعله بشد السلام، أو المراد فعله كبيرهم هذا ان كانوا ينطقون، والإشارة للصنم، فيكون قوله:
{ فسألهم } معترضاً بين قوله: { إن كانُوا ينْطِقُون }، وما أغنى عن جوابه وهو فعله كبيرهم هذا، وما تقدم أولى فاسألوهم غير معترض، مغن عن جواب: { إن كانوا ينطقون }.