خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ
١٤
-المؤمنون

تيسير التفسير

{ ثم خَلقْنا النُّطفَة علقةً } صيرناها دما جامدا { فخلقْنا العَلَقة مُضْغةً } لحمة قدر ما يمضغ { فخلقنا المْضْغةَ } كلها { عظاماً } مائتين وثمانية وأربعين عظما، وهى عدد لفظ رحم بالجمل الكبير { فكَسَونا العظام } المعهودة عهدا ذكريا { لحماً } آخر غير لحم المضغة خلق من الرحم، وهذا هو الظاهر من قوله: "خلقنا المضغة" لأن المتبادر أنها كلها صيرت عظاما، ولا دليل على أنه صير أكثرها، وكسا العظام بباقيها { ثم أنْشأناهُ } بإحداث الروح فيه سارية فى أجزائه حتى ظفره، وشعره { خلقاً آخر } حيوانا يتكلم ويسمع ويبصر ويفعل، ولبعد هذه الأوصاف عما قبلها من الجمادات، وكان العطف بثم كما كان بها أولا لبعد النطفة عن الطين، والعطف بالفاء فى الباقى للترتيب دون اتصال، والمدة فى ذلك كله سواء، وتراخى ثم فى الرتبة.
واستدل أبو حنيفة بقوله:"خلقا آخر" على أنه من غصب بيضة فأفرخت عنده أن فرخها له، لأنه خلق آخر، وليس كذلك، بل لصاحبها، ولو كان خلقا آخر لأنه هو البيضة استحالت فرخا بإذن الله، وتحولها لا يخرج به من ملكه، بل هو جزء من المغصوب { فتبارك الله } لم يقل فتباركنا للإشعار بأنه تلك الأفعال من شأن الألوهية { أحْسن الخالقين } نعت، لأن إضافة اسم التفضيل محضة لا كما قيل إنها لفظية كونها عوضا مِنْ من، والتمييز محذوف دل عليه الخالقين، أى أحسنهم خلقا، والخلق هنا التقدير أو التصوير، قال الله سبحانه:
" { وإذ تخلق من الطين } "[المائدة: 110] أى تصور، وقال زهير:

ولأنت تفرى ما خلقت وبعـ ض القوم يخلق ثم لا يفرى

أى تقدر لا بمعنى الإيجاد، لأنه يختص بالله الأعلى، زعم المعتزلة أنهم خلقوا أفعالهم، ومعنى حسن خلقه للأشياء اتقانه، أو انتفاء القبح فى فعله، وهو تعالى يخلق القبيح والحسن، لا كما قالت المعتزلة إنه لا يخلق المعاصى.
وروى أنه لما سمع عمر الآية إلى قوله: { خلقا آخر } قال: فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت كما فى الطبرانى وأبى نعيم وابن مردوية، وكان يفرح بذلك، وروى هذا عن معاذ كما فى الطبرانى وابن مردوية، وروى عن عبد الله بن سعيد بن أبى سرح وهو المشهور، وأنه ارتد وهرب إلى مكة، وقال: أوحى إلى كما أوحى الى محمد، ورد بأن السورة مكية، وارتداده بالمدينة، ويجاب بأن السورة مكية، ونزلت عليه بالمدينة الآية، فالآية مدنية كقوله عز وجل:
{ حتى إذا أخذنا مترفيهم } [المؤمنون: 64] الى: { مبلسون } "[المؤمنون: 77] وباقى السورة مكى، ومات كافراً، وقيل أسلم يوم الفتح وحسن إسلامة.