{ الزانى لا ينكحُ } لا يتزوج { إلاَّ زانيةً } مثله زنى بها غيره لا هو { أو مُشركةً } أسوأ منه، ولو غير كتابية { والزَّانية لا ينكحُها } لا يتزوجها { إلاَّ زانٍ } بغيرها مثلها، وقيل لا يطؤها لأنها خبيثة، فهو لا يتزوجها ولا يطؤها، وهو صحيح إلا انه يقتضى أن الزانية لا يزنى بها إلا زان، والزانى لا يزنى إلا بزانية { أو مُشرك }
أسوأ منها.
ومعنى المَسْألتين أن اللائق ذلك بالمناسبة فالعفيف من الرجال أو النساء يتحرج عن نكاح غير العفيف، وإن وقع تزوج من عفّ بغيره له، يفرق بينهما، وجاز إن تاب من لم يعفّ، وذلك كقولك: السلطان لا يكذب.أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
هى شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمانى
ويقال فى الأمثال: وافق شن طبقة، وليس المراد جواز كل ذلك شرعاً، فإن المشرك لا يتزوج المسلمة إجماعاً، ولو كتابياً، والسورة مدنية، وقد نسخ قبل الهجرة جواز تزوج المسلمة بالمشرك مطلقاً، والموحد لا يتزوج المشركة غير الكتابية، إجماعاً.
{ وحُرِّم ذلك } أى الزنى { على المؤمنينَ } وغيرهم، وخصوا بالذكر لشرفهم، ولأنهم المتفقون بالشرع أو الاشارة الى نكاح من عف بمن لم يعف، فيراد بالتحريم الكراهة الشديدة فقط، لعدم اللياقة، بالمؤمنين كاملوا الايمان.
وكان مرثد يحمل الأسارى من مكة الى الدنية، فانتهى الى ظل حائط فى ليلة مقمرة لوعد أسير يحمله، فراته عناق فقالت: مرثد؟ قال: نعم، قالت وهى زانية: مرحباً وأهلا، بت عندنا، فقال: إن الله حرم الزنى، فصاحت يا أهل الخيام، هذا حامل أسراكم، فهرب وتبعه ثمانية، ودخل غاراً ولم يروه، ورجعوا ورجع الى الرجل فحمله وقال: يا رسول الله، أتزوج عناقاً، ولم يجبه حتى نزل: { الزانى لا ينكح } الآية، والمناسبة المذكورة، كما أنها شرعية لئلا يفسد من لم يعف منهما على من عفّ عقلية، إلا انها غير لازمة، وكم خبيث يتحرج جداً عن تزوج الخبيثة وبالعكس.
وقيل: إن تزوج المسلمة بالكافر باق على الجواز بعد الهجرة الى سنة ست منها، وفى سنة ست نزل التحريم، كما قال ابن حجر، وصح أنه صلى الله عليه وسلم زوج بنته زينب رضى الله عنها لأبى العاصى ابن الربيع قبل البعثة وهو كافر، وهاجرت ونزلت الآية، فهاجروا وأسلم، فأبقاهما صلى الله عليه وسلم على النكاح الأول.
ونكاح الزانية إن لم تظهر التوبة محرم الى الآن، وإن زنى أحد الزوجين فسد نكاحهما، وقيل: لا إلا أنه يأثم الآخر بالبقاء معه، وذكر بعض أن الزنى عيب، فان ظهر به ولو كان قبل العقد فلها البقاء أو الفراق، وفى الحديث: "لا ينكح الزانى المجلود إلا مثله" وفسر به الحسن الآية مقيداً لها بالمجلودية وأتى على بزان مجلده وفرق بينه وبين زوجه وقال: لا تتزوج إلا مجلودة مثلك، وانظر لم لم يرجمه فلعله عبد أوله شبهة فعافاه عن الرجم الى الجلد.
وعن ابن مسعود، والبراء بن عازب: أنه من زنى بامرأة لا تحل له أبداً، وسئلت عائشة عن رجل زنى بامرأة ثم تزوجها فكرهت ذلك، وروى أنه سئل بن عباس عنه فقال لا بأس، أوله سفاح وآخره نكاح، والنكاح مباح، فلا يحرمه السفاح، وقال: هو كمن أكل من نخلة صباحاً واشتراها مساء.
وفى بعض الكتب: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن زنى بامرأة ثم تزوجها؟ فقال: "أوله سفاح وآخره نكاح" وعن سعيد ابن جبير، والضحاك فى قوله تعالى: { الزانى لا ينكح إلاَّ زانية أو مشركة } أن الزانى لا يزنى إلا بزانية مثله، وهو رواية عن ابن عباس، وقيل: الآية منسوخة، لأن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن امرأتى لا ترد يد لامست؟ فقال "طلقها" قال: إنى أحبها قال: "أمسكها" وهو حديث ضعيف السند، وسئل بعض الصحابة عن رجل تزوج مزنيته، قال: هذا شر من الأول، وقد حرم بعض نكاح الزانية على من لم تزن به، وعلى من زنت به ولو تابت، والصحيح جوازه لمن لم تزن به إن تابت، واحتج من حرمها بقوله عز وجل: " { وأحل لكم ما وراء ذلكم } " الى قوله: " { مسافحين } " أى زانين، فنكاح المسافحة باطل.