خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٦١
-النور

تيسير التفسير

{ ليس على الأعْمى } بعينيه معاً، ويلتحق به ضعيف البصر والأعور اذا كان عوره مؤذياً له { حَرجٌ } ضيقٌ شرعى بأن يحكم بالذنب على هؤلاء، وأصله مجتمع الشىء كالأغصان الملتفة { ولا على الأعرج حرج } فى اليأَو على الرجل أو الفخذ، { ولا على المريض } بأى مرض معطل عن الغزو، أو يزداد به أو يطول به أو يستقذر به { حرجٌ } فى أن لا يغزوا، وفى أن يأكلوا مع الناس، ولو كانت فيهم رائحة تكره لمرض أو صنان أو وسخ فى العين أو الأنف يبدوا ويأكلوا أكثر، أو يأخذ الأعرج لعرجه زيادة موضع، وفى أن يأكلوا من مال من جرهم اليه من قصدوه، إذ كانوا يأتوه رجاء للأكل، فلا يجد ما يطعمهم فيأتى بهم الى أبيه أو أمه أو نحوهما عمن يرجون معه، فيتحرجون وفى أن يأكلوا ممن خرج غازياً، وتركهم على طعامه أو ماله، فنزلت.
وإن كان الاصحاء يتحرجون عن الأكل مع هؤلاء أى لا يستوفون الأكل كالأصحاء، فعلى بمعنى فى أى ليس فى مواكلة الأعمى أو للتعليل لا لمواكلة الأعمى او على ظاهر، أى لا حرج على مواكلة الأعمى كما يقلل: لا عقاب على فعل كذا، أى لا يبنى عقاب على ذلك، أو متعلق الحرج هو قوله: { أن تأكلوا } من قوله: { ولا على أنْفُسكم } أيها الأصحاء حرج { أن تأكلوا } ايها الطوائف الثلاث والأصحاء، وهو ضعيف، لأن عموم الخطاب فى تأكلوا وما بعده للطوائف الثلاث تأباه غيبتهم فى قوله: { ليس على الأعمى } والصحيح أن الكلام تم فى حرج، وذكر كلاماً آخر بقوله:{ ولا على أنفسكم أن تأكلوا }.
{ من بيُوتِكُم } أنتم ومن معَكُم، وذكر الأنفس إثارة الى معنى عليكم، وعلى من فى مثل مالكم، وفيه استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه، فأولى منه لسلامته من ذلك أن يكون ذكره اشارة الى أن الأكل المذكور، مع أنه لا حرج فيه لا يخل بقدر من له شأن، كما كثر ذكر النفس فى ذى الشأن مثل:
" { كتب ربكم على نفسه الرحمة } "[الأنعام: 54] وقوله تعالى: "حرمت الظلم على نفسى" .
{ أو بُيُوت آبائكم أو بيوت أمَّهاتكم، أو بُيُوت إخَّوانكم أو بُيُوت أخَواتكم أو بُيُوت أعمامكم أو بُيُوت عمَّاتِكم أو بيُوت أخوالكُم أو بُيُوت خالاتكم } كان هؤلاء من أب وأم، أو أحدهما أو من الرضاع { أو ما ملكتُم مَفَاتحهُ } كناية عن الكون تحت اليد من بستان أو نعم، بوكالة أو حفظ، يأكل ويؤكل، ولا يحمل ولا يدخر، قاله ابن عباس، وكذا سائر الطعام وغيره، كما قال السدى، والأولاد دخلوا لأن بيوتهم بيوت لآبائهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وأن ولده من كسبه" وقال: "أنت ومالك لأبيك" وقيل: من بيوتكم من مال أولادكم وأزواجكم الذين فى بيوتكم، وقيل: ما ملكتم مفاتحه عبيدكم عبر عنهم بما تشبيها بالجماد، أو بالحيوانات والمفاتح جمع مفتح بدون ألف وقيل: مفتاح بالألف، حذفت فى الجمع ياء.
{ أو صديقكم } أى أو صديق يؤكل واحد منكم، ممن له صديق، وقيل: يقع على الجماعة كما يقع على المفرد والاثنين، لأنه بوزن مصدر السير والصوت، وعلى كل حال لم يقل أصدقائكم اشارة الى قلة الصديق حتى قيل:

صاد الصديق وكاف الكيمياء معا لا يوجدان فدع عن نفسك الطمعا

والى ان الاثنينية مرتفعة كأنهما واحد فى الأكل وهو أرضى بالتبسط من ذوى القرابة، وهو من يصدق فى مودتك وتصدق فى مودته، أو ولو لم تصدق أنت، وقد استغاث الناريون بالصديق لا بالولد، أو بالوالد فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم، وقد جعله الله عز وجل مع النفس والأخ والأب، قال أفلاطون: لا أحب أخى الشقيق إلا إذا كان صديقى، وصديقى أحب الى من أخى.
والآية باقية على اطمئنان النفس من صاحب المال، كما فعلت الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم، يدخل دار صديقه باستئذان فيسأل جاريته عن كيسه فتعطيه فيأخذ ما شاء، فإذا جاء وأخبرته أعتقها سروراً، ودخل أصحاب الحسن داره باستئذان، وأكلوا أطيب طعامه، فدخل فاستنار وجهه فرحا فقال: هكذا وجدناهم يفعلون، يعنى الصحابة، فلا نسخ لحديث:
"لا يحل مال امرئ مسلم إلاَّ بطيب نفس" لأنا قد اشترطنا للآية الاطمئنان، ويدرأ الحد عمن أكل من مال هؤلاء عندى، لأنه يدخل جهراً بلا إذن ولا يبالى، وإن كان فيه ساكن استأذن، وليس ذلك سرقة وكأنه قيل: هل نفى الحرج فى الأكل من بيوت هؤلاء إذا كان مع أهل تلك البيوت أم مطلقا فنزل:
{ ليس عليكُم جناحٌ أن تأكُلُوا جَميعاً } مجتمعين { أو أشْتاتاً } جمع شتيت شذوذاُ، أو جمع شت وهو الأصح مصدر بمعنى الوصف، لا مبالغة إذ لا يوجد فوق الانفراد شىء يسمى شتيتاً يبالغ اليه، وقيل الآية مستأنفة فى تشديدهم على انفسهم ان لا يأكلوا منفردين، كان بنو ليث بن عمرو بن كنانة يمكث أحدهم يوماً، او أكثر لا يأكل حتى يجد ضيفاً يأكل معه، وقد وجد الطعام بين يديه من الغد، والى الرواح، وأكثر إبله جعل باللبن فلا يشرب حتى يمسى، ولم يجد من يشرب معه فيشرب، وكان الخليل عليه السلام لا يأكل حتى يمشى ميلا فى طلب من يأكل معه اتخذه الله خليلاً لذلك فى قول.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:
"شر الناس من أكل وحده، وضرب عبده ومنع رفده" ففى ذم البخل، وكان قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لم يأكلوا إلا معه، ويدخل الغنى على الفقير يأكل فيدعوه للأكل، فيقول لا أزاحمك فى طعامك وأنا غنى، وإذا حضر الأعمى الأكل عزلوا له سهمه لئلا يأكلوا أكثر منه، أو الجود دونه، وكانوا يأكلون فرادى أيضاً خوفاً أن يأكلوا أكثر من صاحبه، أو أن يحصل من احدهم ما ينفر الآخر مثل الزكام والحكة، فنزلت الآية نهيا عن ذلك.
{ فإذا دخلتم بيوتاً } أردتم دخولها، والمراد قيل البيوت المذكورة بدليل الفاء، ويقاس عليها غيرها، وصرح النبى صلى الله عليه وسلم بغيرها، ووجه التنكير أن المعتاد دخول ثلاثة منها أو أكثر لأكلها أو اعتبر كل بيت يدخله { فسلِّمُوا على أنْفُسكم } أى على أهلها، جعل أهل البيت كنفس الداخل لشدة الاتصال فى الحب للدين الحق، حتى إنه أبيح الأكل من مال أهلها، كأنه مال الداخل، ويبعد ما قيل: إنه قال: { على أنفسكم } لأنك إذا سلمت رد عليك السلام بسلامك، فكأنك سلمت على نفسك أو البيوت المساجد، أو بيوت الداخلين، أو بيوت الكفار، أو كل الثلاثة، فالأنفس على ظاهره، فقد ورد أن داخل المسجد يقول: السلام علينا من ربنا، وعلى عباد الله الصالحين، وأنه إذا دخل بيتاً لا أحد فيه يقول: السلام علينا من ربنا، وأنه إذا دخل بيت الكافر قال: السلام علينا من ربنا، وشهر السلام على من اتبع الهدى، وقد يقال هذا المشهور يعمل به فى غير البيوت، والمأخوذ به أن لا يسلم على أهل الذمة.
قال أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقوكم فى الطريق فاضطروهم إلى أضيقها" قال على: لا تسلموا على اليهود والنصارى والمجوس، وفى الحديث: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فلا تزيدوا على قولكم وعليكم" قال بعض قومنا: إذا مررت بقوم فيهم مؤمنون وكفار فقل: السلام عليكم، تريد المؤمنين، أو قل السلام على من اتبع الهدى، وإذا أردت كتابة الى مشرك فاكتب: السلام على من اتبع الهدى، وزعموا عن أبى أمامة الباهلى أنه لا يمر على كتابى إلا سلم عليه، وأنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بافشاء السلام على كل مؤمن ومعاهد.
وعن ابن مسعود: انه صحب دهاقين من المشركين فى السفر، فلما دخلوا الكوفة افترق معهم فسلم عليهم، فقيل له، فقال: إن لهم حق الصحبة والسلام السلامة، يدعى بها وإن أريد اسم الله سبحانه فليعن أن الله علكيم رقيب.
{ تحيَّة } مفعول مطلق لسلموا، كقمت وقوفاً، وأصله الدعاء بالحياة، واستعمل لكل خير { مِنْ عِنْد الله } نعت تحية أو متعلق به، والأول أولى { مباركة } يكثر خيرها وأجرها بعشر حسنات، ومع الرحمة بعشرين، ومع البركة بثلاثين { طيِّبةً } حسنة يطيب بها نفس السامع وزاده بعض فى التحية، وأول التحيات مأخود من الآية كما قال ابن عباس { كذلك يُبين اللهُ لَكُم الآيات لعلَّكُم تعْقلُونَ } ما فيها من الشرائع والأحكام، وتعلمون بها، وفى الأثر إذا دخلت على أهل بيتك فسلم عليهم، وإن لم يكن فى البيت أحد فقل: السلام علينا من ربنا وعلى عباد الله الصالحين، لأن الله تعالى قال: { فإذا دخلتم بيوتاً فسلِّموا على أنفُسكم تحيةً من عند الله } والآية تقتضى الأمرين جميعاً، التسليم على الأهل إن كان فيه أحد، وعلى نفسه إن لم يكن فيه أحد، وعن قتادة إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه يؤمر بذلك، وإن كان فيه أحد فأهلك أحق بسلامك، قال ابراهيم النخعى: إذا دخلت بيتك وسلمت قال الشيطان: لا مقيل لى، وإذا سمى على طعامه قال: لا مقيل ولا مطعم، وإذا سمى على شرابه قال: لا مقيل ولا مطعم ولا مشرب.